النظام السياسي في الإسلام


 

أولاً: مفهوم السياسة لغة واصطلاحاً.

السياسة لغة: الولاية، الرياسة، القيادة، الأمر والنهي، الرعاية، تدبير شؤون الرعية وإصلاحها، والقيام على الشئ بما يصلحه. 


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ ". قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : " فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ).


السياسة اصطلاحاً: الأقوال في تعريف السياسة اصطلاحاً كثيرة، وهي كالآتي:-


- احتراف الحكم والسلطان. 

- إدارة المجتمع بالتوافق مع جوهره. 

- فن الممكن. 

- الإشراف على التنفيذ العملي لسياسة معينة. 

- إجراءات لتحقيق القيم الدينية والاقتصادية والثقافية في سلوك الناس وعلاقاتهم ونظام حياتهم. 

- رعاية شؤون الناس داخلياً وخارجياً وهي تعني نظام الحكم وأجهزة الدولة، وتنظيم علاقة الناس بعضها ببعض، وعلاقة الأمة بالأمم الأخرى. 


وبترك المفكرين والرجوع للشرع واستقراء النصوص نجد أن الله عز وجل يقول:-

{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.


الله في هذه الآية يأمر نبيه أن يحكم بما أنزل الله، طيب لماذا ينزل الله وحياً أصلاً لنحكم به؟ يقول الله سبحانه:-

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ}.


القسط هو العدل، إذاً فالله أرسل الرسل بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالعدل في شؤون أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ).


وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:-

( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ ". قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : " فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ).


وبجمع هذه النصوص يتضح لنا أن السياسة هي:-


(فن الحكم برعاية شؤون الناس العامة والخاصة في الدولة على الصعيد الداخلي ، والصعيد الخارجي بتنظيم علاقات الدولة ورعاياهـا بالدول الأخرى ، ومن هنا يأتي اختـلاف السياسات باختلاف الدول واحتياجاتها المبدئية ومصالحها . كما تطلق على الأفكار التي تتعلق برعاية الشؤون ، سواء أكانت قواعـد عقائد أو أحكاما ، أو كانت أفعالا تجري أو جرت – كالتاريخ – أو ستجري ، أو كانت أخباراً . فإذا كانت الأفكار متعلقة بأمر واقع معاش ، وليس فروضات نظرية منطقية متخيلة ؛ كانت سياسة سواء أكان هذا الفكر من الأمور الحالية الجارية أم أمراً مستقبليـاً سيحدث أو يخطط لحدوثه ، أم كانت أحداثاً قد مضى وقتها فأصبحت تاريخا)


ثانياً: نشأة النظام السياسي في الإسلام. 


وضحنا أن السياسة هي فن الحكم برعاية شؤون الناس العامة والخاصة والداخلية والخارجية، فإذا نظرنا للعهد المكي وهو الذي يبدأ من أول ليلة نزل فيها سيدنا جبريل عليه السلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخروجه من مكة سنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم مارس السياسة في هذا العهد ممارسة عميقة، وهذه الممارسة السياسية في مكة نستقرئها من مجموعة من المظاهر وهي:-


المظهر الأول: الغاية من البعث.

لماذا أرسل الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم؟ لأسباب كثيرة نذكر بعضها من القرآن والسنة، وهي:-

1- لتعليم الناس الحكمة {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.


2- لتزكية قلوب الناس وتطهيرها { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ}. 


3- لتحسين أخلاق الناس (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ).


4- لإقامة شريعة الله في الأرض {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.


5- لحكم الناس بما أنزل الله {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}


6- تحقيق عبودية الناس لله ﴿وَلَقَد بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي اْلأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾


فإذا نظرنا لهذه الأسباب الستة لإرسال الله سبحانه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا وجدنا أنها كلها تحتاج إلى السياسة في ترسيخها في النفوس وتعويدهم عليها.


المظهر الثاني: أحوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أحوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة كلها لا تخلو من السياسة، وهذه الأحوال تتبلور في سياق تاريخي مرتب للعهد المكي من النبوة، ومظاهر السياسة في هذه الأحداث التاريخية هي:-


- الحدث الأول: الدعوة السرية. 

بدأت الدعوة للإسلام سرية لا جهرية، الأمر كان أشبه بتنظيم سري، وهذا في ذاته سياسة في أعلى أوجها، فالدعوة مع الحفاظ على السرية أمر يحتاج لسياسة حكيمة ورشيدة حتى لا ينكشف الأمر بأكمله.


- الحدث الثاني: الدعوة الجهرية.

ليست السياسة في الجهر بالدعوة نفسه بل فيما ترتب على الجهر بالدعوة، فالجهر بالدعوة ترتب عليه معاداة أهل مكة للنبي محمد، وتعذيبه هو وأتباعه، ومحاولة قتله، ومحاولة إغراءه بالمغريات الدنيوية ليرجع عن دعوته.


فأما عن تعذيب النبي وصحابته فقد كانت سياسة النبي معها هي الصبر ومحاولة تحرير الأسرى والمعذَبين، فقد روى خباب بن الأرت قال شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.


وكان أبي بكر الصديق ينفق ماله في تحرير وشراء المسلمين الذين يتم تعذيبهم.


فقد كانت السياسة المتبعة في هذه الفترة هي الصبر ودفع المال لتحرير المسلمين.


أما محاولات إغراء مكة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد تمثلت في إرسال سفير إليه صلى الله عليه وسلم يبلغه رسالة كفار مكة إليه، فنجد أنهم أرسلوا إليه أبا طالب يغريه بالمال والنساء والسيادة، فما كان رد سيدنا رسول الله على سفير ومبعوث أمة الكفر والوثن إلا أن قال:-

(يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته).


كما لا ننسى بيعة العقبة الأولى التي كانت أشبه بمؤتمر سياسي وقع فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار عقداً دولياً على نصرة الإسلام وإظهار الحق في أي مكان. 


ثم بعدها بثلاثة أشهر هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، وهناك أخذت السياسة الإسلامية منحى يختلف كلياً عنها في مكة، فبعدما كانت السياسة في مكة هي الصبر ودفع المال وعقد المؤتمرات مع القبائل لمبايعتهم وعرض الإسلام عليهم تغيرت هذه السياسة تماماً.


وبدأت السياسة في يثرب بتكوين النزعة القومية الإسلامية، فآخى الله سبحانه وتعالى بين الأنصار والمهاجرين، وجعلهم شعباً واحداً، أمةً واحدة، ثم بدأت الفرائض والشريعة من زواج وطلاق وبيوع وجنايات وحدود تنزل وتتوالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


كما أنه في السنة الثانية مباشرةً من الهجرة فرض الجهاد والغزو، وبدأت بغزوة بدر وتلتها غزوة أحد وتوالت الغزوات بعد هذا.

 فمارس رسول الله صلى الله عليه وسلم دور القاضي والقائد العسكري، والقائد السياسي، فكل هذا سياسة.

 

إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل من الصحابة أن اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وتشاوروا فيما بينهم تشاوراً حاداً على أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظلت الاقتراحات تتناقل حتى استقروا على مبايعة أبي بكر رضي الله وبدأت دولة الخلافة الراشدة بعد دولة النبوة.


وصدقاً ذكر مظاهر السياسة في الإسلام لا ينتهي وقد يحتاج لكتاب متفرد، المهم أنك فهمت السياق العام لنشأة النظام السياسي في الإسلام وكيف أنه بدأ مع أول نزول الوحي، وقد أكتب قريباً تاريخاً موجزاً عن السياسة في التاريخ الإسلامي بشكل تفصيلي. 


ثالثاً: معالم النظام السياسي في الإسلام.


قبل أن نتكلم عن النظام السياسي في الإسلام يجب علينا أولاً أن نتناول إحدى جوانب المنظومة التشريعية في الإسلام، فالحديث عن معالم المنظومة السياسية في الإسلام لن يستقيم إلا ببيان هذا الجانب من المنظومة التشريعية الإسلامية.


والمنظومة التشريعية في الإسلام هي منظومة الأصول التي من خلالها علمنا رسول الله ﷺ كيف نشرع القوانين، وهذه المنظومة طويل الكلام فيها، وما يهمني منها في معرض الحديث عن المنظومة السياسية في الإسلام هو ذلك الجزء المتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم.


لقد قال رسول الله ﷺ :-

( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).


إذاً فالصحابة رضوان الله عليهم وبالأخص الخلفاء الراشدين هم قومٌ مهديين من الله سبحانه، وعلى هذا ففعل الصحابي برأيه ما لم يخالف نصاً من القرآن والسنة هو شرع لنا، ولهذا كان من ضمن أصول الفقه أن من مصادر التشريع هو الاستصحاب، أي فعل الصحابي أو قوله بشروط معينة ليس هذا وقت تفصيلها.


إذاً ففعل الصحابة الخلفاء الراشدين المهديين تشريع لنا، هذا هو ما كنت أريد أن نصل له، الآن لنعد للحديث عن النظام السياسي في الإسلام ومعالمه.


تنقسم معالم النظام السياسي في الإسلام إلى سبعة معالم وهي:-

- إباحة طلب الخلافة.

وهو مستفاد من قوله ﷺ:-

(نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة).


وقبل أن تعترض وتقول أن طلب الإمارة مذموم في الإسلام فأحب أن أقول لك أن طلب الإمارة مذموم فقط لمن ليس هو أهلاً لها، أما إن كنت أهلاً لها فليس فيه ذم إن طلبتها.


- إباحة التنافس السلمي على الإمارة والحث عليها.

أتذكر ما قلناه عن أن فعل الصحابي تشريع؟ هنا يأتي مكان استخدامه، فبعد وفاة رسول الله ﷺ بدأ الصحابة رضوان الله عليهم يتنافسون على الإمارة والخلافة في يوم السقيفة، وهذا ما يدل على إباحة التنافس السلمي عليها.


- فرضية الخلافة.

يقول الله عز وجل:-

{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55) } 

النور[ 55 ]


رغم أن هذه الآية الكريمة وحدها كافية على وجوب إقامة الخلافة فالله سبحانه وعد أن يستخلفنا ويجعلنا خلفاء في الأرض كما استخلف الذين من قبلنا وهم اليهود فأقام لهم دولتهم التي حكمها نبي الله داوود ونبي الله سليمان، فكذلك سيقيم الله لنا دولتنا التي يحكمها الخلفاء، وسيمكن لنا ديننا ويبدلنا من بعد خوفنا أمنا بقوته سبحانه بجيش المسلمين وشرطتهم، إلا أنه بالرغم من هذا فستجد من يجادل في فرضية إقامة الخلافة كبابا الأزهر أحمد الطيب.


ولا أرى حقاً هذا الجدال إلا انهزامية أمام السلطة النفسية للغرب على هؤلاء الأذلة، ولهذا دعونا نستعرض لهم دليلاً آخر لعلهم يفقهون، يقول الله عز وجل:-


{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}.


لمن هذه الآية؟ لجميع المسلمين.

بماذا تأمرهم؟ بألا يتفرقوا.

إذاً فالله يأمرنا بأن نتجمع، فلا نكون دويلات تتضارب مصالحها دل دولة واحدة متحدة غير متفرقة ذات مصلحة واحدة وهي إقامة توحيد الله في الأرض.


فهل مازال أحد يشك في فرضية إقامة نظام الخلافة الإسلامية؟ فما ردكم على هذين الآيتين؟


- البيعة هي الطريقة الشرعية في تنصيب الخليفة.

كيف يتم تنصيب الخليفة؟ يقول الله عز وجل:-

{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18) } 

الفتح[ 18 ]



إذاً فالطريقة الإسلامية لتنصيب الخليفة هي أن يقوم رؤساء الناس وأعيانهم وعلمائهم وأهل الاجتهاد بالاجتماع على إمام واحد يعرضون عليه الإمامة، فإن قبل بايعوه بإعلانهم رضاهم به إماماً لهم، فإن بايعه أهل الحل والعقد لزم الأمة كلها أن تبايعه وليس لأحد الخروج عليه.


- خليفة المسلمين ليست له قدسية وذاته ليست مصونة.


يظن كثيرٌ من أعداء الإسلام أن الخليفة في الإسلام لا تتم مسائلته ولا محاكمته، وهذا فحش بين ضد النظام السياسي الإسلامي فقد قال رسول الله ﷺ:-


( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ).


انظر لوصف رسول الله ﷺ للراعي بأنها ( مسؤول).

مسؤول مِن مَن؟


يُعَلِّمْنَا سيدنا رسول الله ﷺ أن الراعي مسؤول من رعيته، أي أن الشعب هو الذي يحاكم ويسائل الراعي، والدليل على هذا فعل رسول الله ﷺ نفسه، فقد قال رسول الله ﷺ:-


( أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا، فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَلَا يَقُلْ رَجُلٌ إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ -[49]- لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي، وَلَا مِنْ شَأْنِي أَلَا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ أَحْلَلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا طَيِّبَةٌ نَفْسِي، وَإِنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا).


انظر كيف تقدم الراعي وهو سيدنا رسول الله ﷺ فعرض نفسه في محاكمة جنائية من له فيها حق سيقوم ويأخذه من أشرف الخلق ﷺ وعلى هذا فالشعب حاكم على الخليفة، والخليفة حاكم على الشعب، فإن فسد الخليفة خرج عليه الناس وعارضه أهل الحل والعقد وفسخوا بيعته وقدموه للمحاكمة ليتم القصاص منه.


هذه هي القاعدة والأصل، وبالطبع فيها تفصيل وفقه طويل لتحديد مفهوم فساد الحاكم وكيفية الخروج عليه بغير مفسدة و كيفية محاكمته وكل هذا تفاصيل تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولكن يبقى الأصل ان الخليفة في الاسلام ليس مقدسا ولا محصناً من المحاكمة.



رابعاً: مقاصد الخلافة و واجبات الخليفة. 

1- واجبات الخليفة ومهامه. 

أ- العمل على وحدة الأمة.

ب- الحفاظ على هوية الأمة الإسلامية.

ج- إقامة العدل بين الرعية.

د- العمل على عزة الإسلام وعلو شأنه.

ھ- الحرص على تبليغ الإسلام للعالم كله.



هذه نظرة موجزة للنظام السياسي في الاسلام، وقريباً سيكون عندنا المزيد عن السياسة الإسلامية ومقارنتها بباقي الأنظمة السياسية كالديمقراطية والشيوعية في وجهها السياسي لا الاقتصادي والجمهورية والديكتاتورية والإمبراطورية والملكية والملكية الدستورية وغيرها من النظم السياسية.

تعليقات

  1. جزاك الله خيرا. مقال موجز وثري

    ردحذف
  2. لم تتعمق كثيرا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟