الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله
مقدمة.
ناقشنا في المقال السابق الدليل الفطري على وجود الله، وقد قمنا بتحويل المقال إلى فيديو يمكنكم مشاهدته من هنا، وفي هذا المقال سنستعرض ثاني دليل على وجود الله سبحانه وتعالى وهو الدليل الأخلاقي.
والدليل الأخلاقي هو الاستدلال بوجود الأخلاق على وجود الله، فالنظرة الإيمانية للعلاقة بين الأخلاق و وجود الله هي أنه بوجود الله فالخير والشر موجودان، والأخلاق إلزامية بشكل لا إرادي على جميع البشر.
أما بدون وجود الله فلا يوجد خير ولا يوجد شر، والأخلاق إن لم يكن الله موجوداً ليس لها معنى وليس لها قيمة وستصبح ذوقية ونسبية راجعة إلى ذوق الفرد نفسه.
فإلحادياً الخير والشر وصفان يصبغهما الإنسان على الأشياء، فالأشياء من حولنا من منظور إلحادي ليست خيرةً في ذاتها ولا شريرة في ذاتها وإنما فقط تكون شريرة حينما يقرر الإنسان هذا وتكون خيرة حينما يقرر الإنسان هذا.
صياغة الدليل.
يمكن صياغة دليل الأخلاق بالصيغة الآتية:-
1- إذا لم يكن الله موجوداً فالقيم الأخلاقية الموضوعية غير موجودة.
2- القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة.
3- إذاً الله موجود.
هذه هي صيغة برهان الأخلاق، ولنبدأ في استعراضه.
السلطة النفسية للبرهان الأخلاقي.
الأدلة على وجود الله كثيرة، وهي تستفز تارة العقل، وتارة فضول الإنسان تجاه الكون، وتارة فطرته الباقية التي دثرها الزمان بعوامل الأسى، كل هذه الأدلة تحتاج شيئا من الاطلاع على قواعد المنطق، أو العلم التجريبي، أو أن تكون إنساناً نقيا.
إلا دليل الأخلاق، فهو الدليل الأبسط في مجموع أدلة وجود الله سبحانه، إذ أنه قائم في الأساس على ما يضمره الإنسان من أخلاقيات، كحب الفضيلة، واستبشاع الرذيلة.
ولا يستطيع ملحد أن يماري فيه ويجادل إذ إن ضريبة المجادلة في الدليل الأخلاقي كارثية، فستؤدي إلى استحسان القتل بدافع المصالح الشخصية، واستحسان الاغتصاب بدافع نقل الجينات وبقاء النوع.
الدليل الأخلاقي يضع الملحد أمام خيارين لا ثالث لهما:-
- إما الإيمان بالله.
- إما انهيار الأخلاق.
لذلك فسلطان الدليل الأخلاقي على النفس الإنسانية سلطان شديد السطوة عليها.
وهنا يستحضرني معنى أريد أن أنبهك أيها القارئ الملحد إليه، وهو أن الإلحاد ليس مجرد إنكار وجود الله، فانك إن أنكرت وجود الله، وجزمت بعدم وجوده سبحانه، فستضطر إلى البحث عن سبب لتفسير وجود الكون والكائنات الحية، ولن تمتلك سوى القوانين المادية وخرافة التطور.
فإن اعتبرت أن خرافة التطور تفسر وجود الكائنات الحية فيجب عليك أن تؤمن حينها بلوازم خرافة التطور والتي من ضمنها نسبية الأخلاق.
فالاغتصاب من الناحية التطورية هو مجرد حركة العضلات في سبيل نقل الجينات وبقاء النوع ليس أكثر.
وراجع حلقة أركان الإلحاد الستة لتدرك كارثية نتائج خرافة التطور.
موضوعية الأخلاق.
الأخلاق نسبية أم موضوعية؟ هل الأخلاق معتمدة على ذوق الإنسان؟ طيب أنت تعرف أنني سأجيبك بقولي:- لا، الأخلاق ليست نسبية، وإنما هي موضوعية.
ولكن صدقاً ليس هذا ما أريده في هذا الجزء من المقال، بل ما أريده هو أن نعرف ما معنى أن الأخلاق موضوعية؟
يخلط الملحدون دائما بين إطلاقية الأخلاق وموضوعية الأخلاق، فتجدهم عندما يحاولون الاعتراض على الدليل الأخلاقي يبدأون بمهاجمة إطلاقية الأخلاق ظناً منهم أنهم بهذا يهاجمون موضوعيتها، وهنا السؤال، ما معنى إطلاقية الأخلاق؟ وما معنى موضوعيتها؟
إطلاقية الأخلاق تعني أن الخلق السئ كالكذب هو سئ في كل وقت وحين، والخلق الجيد كالصدق هو جيد في كل وقت وحين.
فتجد الكاذب يضطر لتبرير كذبه بأنه كذب خوفاً على حياته.
وتجد الصادق يصبر نفسه على البلاء بقوله أنه رغم البلاء إلا أنه صدق فيكسب احتراماً لنفسه.
هذا هو معنى إطلاقية الأخلاق.
أما موضوعية الأخلاق فتعني أن للأخلاق كيان موضوعي قائم بذاته، وجود آخر خارج الوجود الإنساني، وجود ميتافيزيقي غير مرتبط بنظرة الإنسان ولا ذوقه.
فالكذب سئ، لماذا؟
- لأنه كذب، هو سئ في ذاته.
الأمر أشبه بأن أقول لك لماذا الشتاء بارد فتقول لي لأنه الشتاء، هو بارد في ذاته، لا يحتاج لمبررات ولا تفسير، الشتاء كيان موضوعي قائم بذاته.
كذلك الأخلاق الجيدة والسيئة، هي أخلاق قائمة بذاتها، موضوعية في ذاتها، منفصلة عن نظرة الإنسان أو وجوده.
إما الإيمان بموضوعية الأخلاق أو الفوضى.
اسمع أيها المؤمن الوهابي الإرهابي الذكوري المتعفن، ليس معنى أنك تستقبح فعلاً معيناً أنه يجب على غيرك أن يستقبحه، فلكل شعب أخلاقه، وليس من حقك أن تفرض أخلاقك على الآخرين، ويجب أن تحترم أخلاقيات الشعوب الأخرى وتتقبلها.
هذه هي دعوى نسبية الأخلاق، أو بالأحرى دعوى النسبية بشكل عام، فالملحد قد آمن بنسبية الحقيقة في كل شئ، فما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً، وما تراه باطلاً قد يراه غيرك حقاً.
فهل هذا الكلام صحيح؟
المؤمن إن أراد إثبات موضوعية الأخلاق فهو يقول:-
أ- لابد أن يكون هناك قانون أخلاقي موضوعي كوني وإلا:-
1- لن يكون هناك اتفاق عام حول المبادئ الأخلاقية.
2- لن يكون هناك معنى للخلاف القيمي بين الناس.
3- لن يوجد فعل ما يمكن أن نصفه بأنه خاطئ.
4- كل المذاهب الأخلاقية لن تكون متعارضة لأنها اختيارات شخصية.
5- كل الإدانات الأخلاقية لعتاة المجرمين لا معنى لها.
6- ليس من المهم أن نحفظ العهود والمواثيق.
7- لسنا بحاجة إلى تبرير جرائمنا وإفسادنا في الأرض، فالأخلاق نسبية.
ب- وجود هذا القانون الأخلاقي الموضوعي الكوني يتجاوز اختيار الفرد، فهو مسلط عليه من الخارج، ودليل ذلك هو:-
1- أحياناً كثيرة تتعارض الأخلاق مع مصالح الفرد الآنية الشخصية.
2- يتعارض القانون مع الطابع العام للشعوب التي قبلته رغم عجزها عن الالتزام العملي به.
إذاً فالدليل الأخلاقي يضع الملحد أمام خيارين لا ثالث لهما:-
- إما الإيمان بأن الأخلاق موضوعية من وضع الإله.
- إما الفوضى العارمة مجتمعة مع احساس الملحد بالتناقض لقبوله نسبية الأخلاق رغم احساسه الداخلي بموضوعيتها.
وهنا أريد أن أتحدى ملحداً واحداً في العالم أسره أن يثبت لي بعيداً عن موضوعية الأخلاق لماذا إن أنا قتلته يجب أن يتم عقابي؟
إذا افترضنا أن الأخلاق نسبية، فقتل الملحد بالنسبة لي هو فضيلة، والأخلاق نسبية، فليس من حق أحد أن يحاسبني.
وأنا هنا لا أتكلم عن الحرية حتى يقول لي الملحد حريتك تتوقف عند حرية الآخرين، فحتى هذا المبدأ الأخلاقي أنا غير متفق معه وهو باطل بالنسبة لي.
النتيجة:-
إما الله، أو الفوضى.
الملحد في مواجهة نفسه أمام الدليل الأخلاقي على وجود الله
عزيزي الكائن البكتيري، لماذا تهاجم الدين؟ لماذا تسأل عن الشر في الكون؟ لماذا تعترض على مظاهر الظلم والأذى؟ إن دافعك لهذا هو ايمانك الداخلي الراسخ بموضوعية الأخلاق.
لماذا يكتب الملحد كتاب "وهم الإله" وكتاب "خطر الدين"؟ لماذا يسعى الملحد ليل نهار في التعليقات والمقالات والفيديوهات لنفي شئ ما وإثبات آخر؟ دافع الملحد لهذا هو إيمانه الداخلي الراسخ بموضوعية الأخلاق.
الملحد يثبت حقيقة موضوعية الأخلاق من حيث يحاول أن يعلن الحرب على الدين، فيثبت صحة الدين من حيث لا يدري، فيالها من بلاهة، ماذا فعل بك الإلحاد يا صغيري حتى تكون بهذه البلاهة؟
لنفترض أن الكون بلا إله.
وأن الكائنات الحية كلها نشأت من المواد الكيميائية.
إذاً لا فرق بين الإنسان وبين المواد الكيميائية.
إذاً فانفجار الإنسان لا يختلف عن انفجار البوتاسيوم حينما يوضع على الماء.
وسحق الإنسان لا يختلف كثيراً عن سحق التراب
فإذا كان الأصل في الكون هو اللاقيمة فمن أين أتى الملحد بفكرة القيمة؟
إذا كان الكون كله مظلم فلن نعرف النور.
إذا كان الكون بلا قيمة فمن أين عرفنا القيمة؟
لماذا يكترث الملحد بالخير والشر والقيمة والعدل والصحيح والخاطئ؟ إنها الفطرة، إنه الله الموجود في صدره بعلمه سبحانه ورحمته وقوته.
عزيزي البكتيريا واجه نفسك، إما أن تؤمن بنسبية الأخلاق وإما أن تؤمن بموضوعيتها، فإما أن الأخلاق كيانات لها وجودها، وإما أن الأخلاق نشأت بنشأة الإنسان.
فإن كانت الثانية فليس من حقك أن تفرض وجهة نظرك الأخلاقية على شعب يرى أن القتل لأخذ أموال الناس فضيلة.
إذا آمنت عزيزي الملحد بأن الأخلاق نسبية ونشأت بنشأة الإنسان فلا يمكنك تخطئة هتلر وستالين فهما سيقولان لك أنهما كانا يقتلان في سبيل بقاء شعبهما وعلو كعبه واستمرار جيناته ونسله.
لقد أدرك الملحد ريتشارد دوكينز هذه الكارثة لذلك قال:-
( أنا كعالم طبيعة أكاديمي أعد نفسي داروينياً متحمساً لذلك، مؤمناً أن الانتخاب الطبيعي إن لم يكن القوة الدافعة الوحيدة في التطور فهو بالتأكيد القوة الوحيدة المعروفة القادرة على إنتاج وهم الغاية الذي تمكن من عقل كل من يفكر في الطبيعة، ولكن في الوقت نفسه الذي أدعم فيه الداروينية كعالم طبيعة فأنا معاد للداروينية بحماسة عندما يتعلق الأمر بالسياسة وكيف لنا أن ندير شؤوننا الإنسانية).
دوكينز بكل بساطة يعترف بأنه بالرغم من كونه أكاديمي متحمس للداروينية إلا أنه يرفض الداروينية حينما تكون هي معيار مبادئنا الإنسانية.
وهذا التناقض ليس غريباً، فهذا هو الإلحاد الذي يؤدي بالمرء إلى الإيمان بالشئ ونقيضه في نفس الوقت.
برهان الأخلاق ليس برهاناً قائماً على أنه يعطي للملحد دليلاً يفكر فيه بعقله لا، وإنما برهان الأخلاق هو في الحقيقة يضع الملحد في مواجهة بين نفسه.
فكل الملحدين يشعرون داخلياً أن الأخلاق لها قيم متعالية، فالملحد سيستهجن تمزيق جسد طفل بسكين، فهذا كارثي في نظره، وهنا يأتي دور البرهان الأخلاقي، لماذا عزيزي الملحد تستهجن هذا؟
أليس الطفل مجرد مادة كيميائية؟
أليس معذبه مجرد مادة كيميائية؟
أليس تفاعلهما سوياً هو مجرد تفاعل كيميائي؟
أليس الاغتصاب هو مجرد حركة عضلات في سبيل نقل الجينات والنوع ليس أكثر؟
فما بالك تشعر بالاشمئزاز والنفور من كل هذا؟
واجه نفسك.
الأخلاق ليست نسبية.
واجه نفسك.
الأخلاق قيم متعالية عن التطور الدارويني.
واجه نفسك.
داروينياً لا مشكلة في الشر.
واجه نفسك.
أنت تشعر بمشكلة داخلية عندما ترى الشر.
هذا كله يثبت أن الداروينية باطلة.
هذا كله يثبت أن الأخلاق متعالية.
هذا كله يثبت أن الأخلاق موضوعية.
هل يلزم من موضوعية الأخلاق وجود الله؟
إذا سلم الملحد بموضوعية الأخلاق فهو سيسأل عن علاقة موضوعية الأخلاق بالوجود الإلهي، وصراحةً كنت أريد أن أجيبه ولكن حقاً لا أريد هذا، لذلك سأترك عتاة الملحدين الغربيين هما الذين يردون عليه.
ومعنا أول إجابة من عزيزي الفيلسوف الملحد (ج. ماكي) إذ يقول:-
[ إن المفاهيم الأخلاقية تمثل طابعاً نشازاً في التصور الإلحادي للكون ولذلك فإن وجود قيم أخلاقية موضوعية يجعل وجود إله أرجح من الحال لو لم تكن هناك قيم أخلاقية موضوعية ولذلك عندنا هنا حجة في الأخلاق على وجود الله] كتاب معجزة الإيمان.
وأعرف رد الملحد على كلمات جي ماكي إذ سيقول أنه كملحد لا يقدس الأشخاص كتقديسنا نحن المسلمين للأنبياء وأن هذا القول هو رأيه الشخصي وغير ملزم لباقي الملحدين.
طيب لنرى هل هذا هو قول جي ماكي فقط؟ أم هو الحقيقة بغض النظر عن شخص قائلها؟
يقول الفيلسوف الوجودي الملحد "جون بول سارتر" في الإجابة على سؤال هل موضوعية الأخلاق يلزم منه وجود الله:-
(كل شئ مباح إذا لم يكن الله موجوداً، ولا يجد الإنسان أي شئ يعتمد عليه من داخل نفسه أو من خارجها).
فهل مازال هذا هو قول جي ماكي وحده؟ طيب لنكمل مع باقي فلاسفة عصرنا الحديث، سنجد أن "سارتر" شن حرباً على فلاسفة فرنسا الذين أرادوا صناعة دولة عالمانية تضمن أخلاق الدين بعيداً عن الدين نفسه فيقول:-
(مع اختفاء الله ستختفي كل إمكانية لإيجاد القيم).
ويقول الفيلسوف الملحد "جويل ماركس" في مقال نشره عام 2010 عن تجربته التي خاضها في مسألة الوجود الإلهي وموضوعية الأخلاق:-
(لقد أصبحت مقتنعاً أن الإلحاد يقتضي مذهب اللاأخلاقية وبما أنني ملحد فلابد علي أن أعتنق اللاأخلاقية لقد عشت الكشف الصادم أن الأصولية الدينية معها حق فبدون الله لا يوجد أخلاق).
ويقول الفيلسوف البريطاني الملحد "جوليان بجيني" في السلسلة الشعبية الشهيرة المختصة بتعريف الإلحاد والتي سميت بـ(مقدمة مختصرة جداً):-
(إذا لم يكن هناك إله واحد ذو السلطة الأخلاقية فعندها بصورة ما يجب أن نخلق قيماً لأنفسنا وذاك يعني أن الدعاوى الأخلاقية ليست صحيحة ولا فاسدة، يمكنك أن تختلف معي، لكنك لا تستطيع أن تخطئني).
وزعيم الحركة الإلحادية المعاصرة وهو ريتشارد دوكينز يقول:-
(من العسير جداً الدفاع عن الأخلاق المطلقة على أرضية غير الأرضية الدينية).
إذاً فملخص كل هذا هو أنه بدون الله، فلا يوجد أخلاق، ولكن الأخلاق موجودة، إذاً الله موجود.
اعتراضات الملحدين على الدليل الأخلاقي.
الاعتراض الأول: الملحد قد يكون عنده أخلاق بدون أن يؤمن بالله.
شرح الاعتراض
اسمعوا يا مسلمين، أنتم تقولون أن وجود الأخلاق يستلزم الإيمان بالله، ولكن ها أنا ذا ملحد ولكنني على خلق عالي فكيف ستردونها؟ افحمتكم.
الرد على الاعتراض.
أولاً: الدليل الأخلاقي ليس قائماً على أنه لوجود الأخلاق يلزم ان يكون الشخص مؤمن بالله، لا، بل أن وجود الأخلاق يحتاج إلى وجود الله، فبغض النظر عن كونك ملحداً أخلاقياً أو مؤمناً لا أخلاقياً فالدليل الأخلاقي يبحث في موضوعية الأخلاق وكونها كياناً قائماً يحتاج في تفسير وجوده إلى وجود الله، أما اتصافك بالأخلاق من عدمه فهذا موضوع آخر.
ثانياً: اتصافك بالأخلاق هو اتصاف يتعارض مع حقيقة إلحادك، فإلحادياً لا معنى للأخلاق، فاتصافك بها هو شئ بلا معنى ويتعارض مع قانون البقاء للأصلح، فأنت بهذا غير متسق مع نظرتك الكونية.
ثالثاً: أجدادك عزيزي الملحد في الماضي تناسلوا ليأتوا بك في النهاية عن طريق خرافة (البقاء للأصلح) لذلك فقد كانوا يأكلون الضعفاء، فلماذا تخليت عن هذا الآن؟
الاعتراض الثاني: إذا كانت الأخلاق موضوعية وموجودة فينا كلنا فما الحاجة إلى الدين؟
شرح الاعتراض.
أنتم المسلمون تقولون أن الأخلاق موضوعية ومركوزة في نفوسنا كلنا، فإذا كانت الأخلاق موضوعيةً بهذا الشكل، فما أهمية الدين؟
الرد على الاعتراض.
أولاً: الإنسان كائن بيولوجي له احتياجاته الجسدية وهذه الاحتياجات قد تطغى على الإنسان فتؤدي به إلى الاغتصاب، أو السرقة، أو القتل، ولهذا كان لابد من وجود الدين بمنظومته الجزائية في الثواب والعقاب لكي يتم إجبار الإنسان على التحكم في شهواته ولا تطغى عليه.
كما أن الإنسان متصف بالنسيان والغفلة والضعف، فإن التزم أخلاقياً اليوم فهو سيقع غداً، لذلك كان الدين الذي يذكره خمس مرات في اليوم بأنه عبد لله حتى لا يعصيه، ويذكره مرةً أسبوعياً كل جمعة أنه عبد لله فلا يعصيه.
ثانياً: يجب أن نفصل بين القيم الأخلاقية الكلية والقيم الأخلاقية التفصيلية، فالقتل والسرقة وزنا المحارم والزنا خارج إطار الزواج والاغتصاب هي كلها من الأمور التي يستهجنها البشر، أما تفاصيل تطبيق النظم الأخلاقية فهي تحتاج للدين الذي يدخل في تفاصيل الأمور حتى اعتبر الإسلام مجرد التبسم في وجه الناس هو صدقة عليهم ومن القيم الأخلاقية.
ثالثاً: الأخلاق رغم موضوعيتها إلا أن الناس أمام مصالحهم سيختلفون وقد يضربوا بالأخلاق عرض الحائط، لذلك لابد من سلطة عليا والتي هي سلطة الإله لكي يعودوا إليها، وهذه السلطة متمثلةً في الدين.
الاعتراض الرابع: اختلاف الأنساق الأخلاقية حجة على عدم موضوعيتها.
شرح الاعتراض.
طيب أنتم تقولون أن الأخلاق موضوعية، فكيف هذا والبشر مختلفين فيما بينهم في الكثير من الأخلاقيات؟
الرد على الاعتراض.
أولاً: اختلاف الناس لا يعني شئ سوى أنهم ضلوا في بعض المسائل التفصيلية المحورية والتي أدت بهم إلى الاختلاف في مسائل كبرى، ولكن هذا لا ينفي حقيقة المسائل الكبرى كموضوعية الأخلاق، فموضوعية الأخلاق حقيقة مبرهن عليها، اختلف الناس على بعضها أم لم يختلفوا فهذا أمر يحتاج النظر في سبب الخلاف وليس نفي موضوعية الأخلاق.
ثانياً: اختلاف الناس ليس حجة في شئ، فالناس مختلفين حول الكثير من القضايا البديهية، فستجد ملحداً ينكر البديهيات العقلية الأربعة، فهل اختلافنا مع الملحدين المنكرين للبديهيات العقلية الأربعة يجعلها نسبية ليست بديهية؟
ثالثاً: ادعاء أن الناس مختلفين في نسقهم الأخلاقية هو ادعاء كاذب، وفي هذا يقول (سي إس لويس) :-
[ إنها كذبة، كذبة عظيمة جداً، لو يذهب شخص ما إلى المكتبة ويمضي أياماً في قراءة موسوعة الأخلاق والدين فسيكتشف بسرعة الاتفاق الهائل في اختيارات العقل العملي عند الناس، سيجمع من ترانيم بابل إلى ساموس، ومن قوانين مانو إلى كتاب الموتى، وتعاليم كونفوشيوس والرواقيين، والأفلاطونيين والسكان الأصليين لأستراليا والهنود الحمر، الاستنكارات المتكررة الحماسية نفسها للقمع والقتل والغدر والباطل، والأوامر نفسها بالعطف على كبار السن والصغار والضعفاء والصدقة والنزاهة والصدق].
الاعتراض الخامس: الأخلاق منتج بيولوجي.
شرح الاعتراض.
لماذا أيها المسلمون تقولون أن الأخلاق وضعها الإله؟ الأخلاق هي نتاج عملية ااتطور الدارويني فلقد احتاج الإنسان البدائي إلى تنظيم أفعاله ليتمكن من البقاء حياً وبهذا نشأت الأخلاق والقوانين.
الرد على الاعتراض.
أولاً: هذا الادعاء الدارويني مبني على ثلاث مقدمات كلها لا برهان عليها:-
المقدمة الأولى: اعتبار الوجود مجرد مادة فقط.
فالملحد لكي يقول هذا الاعتراض يجب أن يؤمن أن الكون مجرد مادة، وهذا الإيمان لا برهان عليه.
المقدمة الثانية: اعتبار أن الأسباب العاملة في الكون كلها جبرية مادية.
فلكي يعترض الملحد باعتراض أن الأخلاق منتج بيولوجي يجب قبلها أن يكون مؤمناً بأن الأسباب العاملة في الكون هي أسباب جبرية مادية، وهذا أيضاً لا دليل عليه.
المقدمة الثالثة: المعرفة لا يمكن تحصيلها إلا بالعلم التجريبي.
فالملحد لكي يعترض على الدليل الأخلاقي باعتراض أن الأخلاق منتج بيولوجي يجب أن يؤمن أولاً أن العلم التجريبي والذي من خلاله تعرف على خرافة التطور هو السبيل الوحيد للمعرفة، وهذه المقدمة هي أيضاً غير مبرهنة.
فإذا كانت المقدمات الثلاثة القائم عليها الاعتراض كلها باطلة، وغير مبرهن عليها، فالاعتراض يصبح باطلاً ومرفوض.
ثانياً: تفسير ظهور الأخلاق عن طريق الانتخاف الطبيعي لا ينفي وجود الله، فبكل بساطة قد يكون الانتخاب الطبيعي هو الأداة التي من خلالها خلق الله الأخلاق، لا مشكلة إسلامياً في هذا.
ثالثاً: الانتخاب الطبيعي في أحسن حالاته يفسر لماذا نحن أخلاقيون ولكنه لا يفسر لماذا يجب أن نبقى ملتزمين بهذه الأخلاق.
رابعاً: الربط بين وجود الأخلاق بأننا كنا نحتاجها في بداية تطورنا ركي نضمن بقائنا هي مجرد قصة ترويها لنا جداتنا في الليل لا دليل عليها.
ملف فضائح ملحدي مصر.
كتبت هذا المقال بدافع استعراض أدلة وجود الله، ولكن صراحةً أحببت أن أضيف هذا الجزء وهو ملف ملحدي مصر الكاشف والفاضح لأخلاقهم، تستطيعون تحميله من هنا
الخاتمة.
بدون الله لا أخلاق.
بدون الله لا أمل.
بدون الله لا أمان.
تعليقات
إرسال تعليق