العقيدة في القدر | مسلم سليمان

 



أولاً: مفهوم القضاء والقدر في الإسلام والقرآن. 


يقول الله سبحانه وتعالى:-

{إنا كل شئ خلقناه بقدر}. 


ويقول أيضاً جل في علاه:-

{وكان أمر الله قدراً مقدورا}.


ويقول أيضاً جل في علاه:-

{وخلق كل شئ فقدره تقديرا}.


وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يجيب على سؤال سيدنا جبريل عليه السلام عن حقيقة الإيمان:-

(هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).


وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:-

(كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).


كما قال أيضاً صلى الله عليه وسلم:-

(كل شى بقدر حتى العجز والكيس). 


هذه هي الأدلة على ثبوت القضاء والقدر في القرآن والسنة، فما هو القدر؟ 


القدر يا إخوة لغةً هو مصدر قدرت الشئ أقدره إذا أحطت بمقداره، وشرعاً هو ما قدره الله سبحانه وتعالى في الأزل أن يحدث في مخلوقاته بناءً على علمه السابق بذلك. 


وأما القضاء فهو لغةً الحكم والفصل، وشرعاً هو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو غيره. 


ثانياً: الفرق ما بين القضاء وما بين القدر المكتوب. 


القدر هو تقدير الشئ قبل وقوعه، يُقَال قدرت وقوع حدث ما أي توقع حدوثه، وأما القضاء فهو وقوع الشئ وحدوثه، وعلى هذا فالقدر هو الأساس للقضاء، فإذا وضع مدرس اختبار لتلامذته فهو من خلال علمه بمستويات طلابه فهو سيقدر أن الطالب الحاصل على أعلى درجة هو الطالب الفلاني، هذا قدر، أن ينجح فلان هذا فعلاً ويحصل على أعلى درجة فهذا هو القضاء. 


ثالثاً: مراتب القضاء والقدر. 


والآن جئنا لأهم جزء في المقال، فمن فهم هذا الجزء من المقال هانت عليه الدنيا بمصائبها، وحمد الله على ما كان وما هو كائن وما سوف يكون. 


الإيمان بالقضاء والقدر يا إخوة يتضمن أربعة مراتب. 

الأولى: العلم، وهي الإيمان بأن الله عالم ما سيحدث علماً أزلياً أبدياً، فالله سبحانه وتعالى يعلم أحزانك وأوجاعك ويعلم اختياراتك الخاطئة وتصرفاتك التي ستؤذيك أو تصرفات من حولك التي ستؤذيك، يقول الله تعالى: { لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما }.


الثانية: الكتابة، وهي أن تؤمن أن الله كتب ما علمه من أحداث الكون بتفاصيلها، كتب أحداث حياتك، كتب بكائك ودموعك وتأوهاتك { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير }.


الثالثة: المشيئة، وهي أن تؤمن أن الله بعدما علم كل ما سيحدث، وبعدما كتبه أعطى إذنه بأن يحدث هذا الشئ في الكون، وهذه هي المشيئة، فهو علم أنك ستتألم، وكتب أنك ستتألم ثم أعطى إذنه ومشيئته بحدوث الألم. 


الرابعة: الخلق، وهو أن تؤمن أن الله هو الخالق لكل شئ في الكون بما فيه أفعالك ومشاعرك وأفكارك. 


رابعاً: لماذا يحاسبني الله وهو قدر عليا أفعالي؟ 


هنا يجب أن نرجع لمراتب القدر الأربعة والتي هي:-


• العلم.

• الكتابة.

• المشيئة.

• الخلق.


ولنسقط الأربعة على قضية حقيقية وهي كفر الكافر، لماذا يحاسب الله الكافر وهو قدر عليه كفره؟


أولاً: علم الله سبحانه وتعالى أن الكافر سيختار الكفر بمحض إرادته.

ثانياً: كتب الله سبحانه أن هذا الكافر سيختار الكفر بمحض إرادته.

ثالثاً: الآن الكافر موجود، يريد أن يكفر، لن يستطيع أن يكفر، وسيعجز قلبه ولسانه عن أن يكفرا، لماذا؟ لأن هذا الكافر مملوك لله، ويعيش في كون الله، ولن يحدث شئ في الكون إلا بإذن الله، فإذا لم يعطي الله إذنه ومشيئته للكافر بأن يكفر فلن يحدث الكفر، وبالتالي لا قيمة لحرية الإرادة، وبالتالي يكون الله بخلقه لحرية الإرادة سبحانه عابثاً لاعباً إذ خلقها وعطلها بعدم إعطاء مشيئته لمخلوقاته بأن يفعلوا ما يريدوه، وعلى هذا أعطى الله سبحانه مشيئته للكافر أن يمارس حرية إرادته كما يريد.

رابعاً: خلق الله الكفر في قلب الكافر ليستطيع أن يكفر كما يشاء.


في هذه القضية الله علم اختيار العبد بحرية إرادته، فكتبه وسمح له بحدوثه وخلقه، لم يجبره على الكفر، فقط أعطاه الإذن بأن يحدث ما يختاره العبد بنفسه.


وعلى هذا فلا يوجد أي جبر، ولابد من حساب هذا الكافر الذي اختار الكفر.


خامساً: هل الدعاء يرد القدر؟ 


{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. 


أجل يا سادة الدعاء يرد القدر، ولكن أي قدر؟ 


القدر نوعان:-

أ- قدر محتوم كيوم القيامة. 

ب- قدر متعلق بالأسباب. 


القدر المحتوم لا يتغير ولو بدعاء الملائكة. 

أما القدر المتعلق بالأسباب فيتغير بالدعاء.


سادساً: القضاء والقدر في الإلحاد. 


أجل صدق أو لا تصدق هناك قضاء وقدر في الإلحاد، فالإلحاد يقول بأن الإنسان لا يوجد لديه حرية إرادة، وإنما هو مسير بنسبة 100%


فقد كتب الملحد الشهير "سام هاريس" كتابه الذي أسماه ( الإرادة الحرة) الذي نفى فيه بشكل قاطع وجود أية حرية إرادة للإنسان وقال في كتابه The athiet's guide to reality :-


[ حقيقة أن العقل هو فقط الدماغ يضمن لنا أنه لا توجد إرادة حرة، إنها حقيقة تلغي أي غايات أو تصميم ينظم أعمالنا أو حياتنا ].


وكتب أيضاً البيولوجي الملحد العنيد "جيري كوين" فقال في مقال له على موقعه الشخصي:-


[ إن سلوكياتنا تقررها بصورة حصرية جيناتنا وبيئاتنا ولا شئ آخر ].


هذا هو الإلحاد يا سادة، لا إرادة حرة، وبالتالي فالمغتصب ليس مخطئاً، فهو مجبر ومسير من قبل جيناته. 


إلى اللقاء في مقال آخر. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟