تحليل أول 10 آيات من سورة البقرة

 


تحليل أول الخمس آيات الأُوَل من سورة البقرة

أولاً: سبب تسميتها بالبقرة. 

قيل أن سبب تسميتها بالبقرة هو ورود ذكر قصة بقرة بني إسرائيل فيها، ولكن لماذا البقرة بالذات؟ السورة مليئة بالقصص، فلماذا البقرة بالذات هي التي اختيرت لتسمية السورة.


هذا يجعلنا نرجع لآيات قصة البقرة، فنجد أن الله سبحانه وتعالى يفتتحها بقوله:-


{ وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين (67) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (68) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين (69) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (70) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون (71) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (73) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون (74) } 


بالنظر لنهاية القصة نجد أن الله سبحانه وتعالى أنهاها بقوله سبحانه:-

{ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (73) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون}. 


ذكر الله في نهاية قصة بقرة بني إسرائيل أنه ما أمرهم بذبحها إلا ليريهم آياته لعلهم يعقلون وترق قلوبهم للإيمان، إلا أن قلوبهم قست فصارت كالحجارة أو أشد قسوة.


وبالتأمل في قصة البقرة سنجد أنها القصة الوحيدة في السورة التي أنهاها الله سبحانه وتعالى بذكر القلب ورقته وغفلته، فقال { فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون } كلمة "تعقلون" يُقصد بها وعي القلب، فالله سبحانه وتعالى قال عن وظيفة التعقل:-


{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (179) } 

اﻷعراف[ 179 ]


إذاً فالعقل والتفقه محلهما القلب وليس المخ، وعلى هذا فحينما قال الله سبحانه وتعالى لهم في آية البقرة { فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون} كان يقصد لعل قلوبكم أن تتفتح للإيمان بالله وتتوقف عن قسوتها، ولكن الذي حدث هو أن قست قلوبهم بعد هذا فهي كالحجارة أو أشد قسوة. 


ولهذا سميت السورة باسم البقرة لأن قصة البقرة هي القصة الوحيدة التي انتهت بذكر القلب وأحواله.


وهنا قد يأتي سؤال وهو: لماذا ذكر القلب وأحواله جعل القصة التي ذكرت في سياقه مستحقة لأن تتسمى بها السورة؟


الإجابة بكل بساطة هي أن القلب عليه مدار الجنة والنار والكفر والإيمان، فمن قسى قلبه فهو في النار، ومن سلم قلبه فهو في الجنة، يقول الله سبحانه وتعالى حاكياً عن عبده إبراهيم عليه السلام أنه قال:-


{ ولا تخزني يوم يبعثون (87) يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم (89) } 


فالخزي والندم يوم القيامة سيكون لكل من أتى الله بقلب مريض ليس بسليم، فالقلب ملك الأعضاء وهو قائد وموجه الجسد كاملاً، ولهذا سميت سورة البقرة باسم البقرة تحذيراً لنا من أن نكون مثل بني إسرائيل تقسى قلوبنا بعد أن نرى آيات ربنا.


والله أعلم.


ثانياً: لماذا بدأ الله السورة بالحروف المقطعة (أ ل م) 

أفضل قول في هذه المسألة هو أن القرآن الكريم كتاب إعجازي، ومعجزته في لغته، وقد تحدى الله سبحانه وتعالى العرب فقال لهم:-


{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين}. 


إذاً فالقرآن معجزته في لغته، وعلى هذا فسبب بداية سورة البقرة بالحروف المقطعة هو رسالة غير مباشرة لمشركي مكة بأن هذا القرآن مكون من الحروف التي أنتم محترفون بها وبالرغم من هذا لن تستطيعوا الإتيان بمثله.


ثالثاً: ذلك الكتاب لا ريب فيه.

يقول الإمام السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة:-


(أي هذا الكتاب العظيم الذي الكتاب على الحقيقة , المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم , والحق المبين ، فـ ( لا ريب فيه ) ولا شك بوجه من الوجوه ، ونفي الريب عنه , يستلزم ضده , إذ ضد الريب والشك اليقين ، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب ، وهذه قاعدة مفيدة , أن النفي المقصود به المدح , لا بد أن يكون متضمنا لضده , الكمال , لأن النفي عدم , والعدم المحض , لا مدح وهو فيه . فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين). 


ولكن هنا عندي موقف، الله سبحانه وتعالى قال:-

{ذلك الكتاب لا ريب فيه}.


لم يقل:- 

{هذا الكتاب لا ريب بيه}.


و (ذلك) هي اسم إشارة للبعيد بينما (هذا) هي اسم إشارة للقريب، فلماذا استخدم الله اسم الإشارة للبعيد بدلاً من القريب؟


توقفت كثيراً عند هذه النقطة وقد خطر لي خاطر قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً، وهو بالرجوع للقراءة التي تقول:-


{ ذلك الكتاب لا ريب "صمت" فيه هدى للمتقين }.


أي أن ذلك القرآن بلا شك فيه هدى للمتقين، وذلك على خلاف قراءة:-


{ ذلك الكتاب لا ريب فيه "صمت" هدى للمتقين}.


أي ذلك الكتاب لا شك فيه أنه كلام الله هو هدى للمتقين.


فإذا نحينا القراءة الثانية هذه وأخذنا بالقراءة الأولى قد نتلمس بعض المعاني المحتملة من وراء استعمال الله سبحانه وتعالى لاسم الإشارة للبعيد (ذلك).


فعلى القول بأن القراءة هي:-


{ ذلك الكتاب لا ريب "صمت" فيه هدى للمتقين }.


أي أن ذلك القرآن بلا شك فيه هدى للمتقين، وبجمع هذا المعنى مع توقيت نزول هذه الآيات وهو أول عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بعد الهجرة أي أن الشريعة لم تكتمل ولم تنتهي، فعلى هذا قد يكون مقصود الله سبحانه وتعالى من استعمال اسم الإشارة للبعيد (ذلك) هو أن القرآن بعد اكتماله تاماً ونزول الشريعة تامة بعد عدة سنوات سيكون هدى تام للمتقين في أمورهم الدينية والدنيوية والبيع والشراء والزواج وكل ما في حياة الإنسان سيحتوي هذا الكتاب على قوانينه المليئة بالحكمة.


والله أعلم.


وإذا زدنا التدبر في هذه الآية وجدنا الله سبحانه وتعالى يقول أن القرآن هدى، ولكن للمتقين، أي أنه لن ينتفع بهذا الكتاب الا المتقين، والمتقين هم الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله وقاية.


رابعاً: الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون.


قال الله سبحانه وتعالى أن القرآن هدى للمتقين، ثم بين صفات المتقين فقال أنهم:-

1- المقيمي الصلاة.

2- المنفقين في سبيل الله.

3- المؤمنين بما أنزل على رسول الله.

4- المؤمنين بالأنبياء من قبل رسول الله.

5- الموقنين بالآخرة.

6- المؤمنين بالغيب.


ولنبدأ بصفة الإيمان بالغيب، ما هو الغيب؟

الغيب هو كل ما غاب عن حواسنا وهو ينقسم لغيب يمكن إدراكه بالاستدلال وغيب لا يمكن إدراكه سوى بالخبر، وإذا تأملنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنجد أنه جمع الغيب الواجب على المؤمن الإيمان به فقال:-


(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).


وهنا يأتي ملحظ وهو، إذا كان من ضمن الغيب الواجب علينا الإيمان به هو الإيمان بالكتب والتي من ضمنها ما أنزل للرسول وما أنزل من قبله، وايضاً الإيمان باليوم الآخر فلماذا يكررهما الله بعد هذا ويقول:-

( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)؟ 


الإيمان بما أنزل من قبل رسول الله داخل في الغيب وقد نبه الله عليه في الآية الأولى فلماذا كرره في الثانية؟ 


وأيضاً الإيمان باليوم الآخر داخل في الغيب الذي نبه الله عليه في الآية الأولى فلماذا كرره الله في الثانية؟ 


يظهر لي والله أعلم أنه ما كررهما إلا لأهميتهما وعظم قدرهما، فبالنسبة لليوم الآخر فهو منقبة المؤمن بل إن الله سبحانه وتعالى لما مدح عباده إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال في مدحهم:-

{ إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار}. 


أي أن الله ميزهم بذكر الدار الآخرة، وإذا تتبعنا لفظة اليوم الآخر في القرآن دون غيرها من الكلمات التي تصف اليوم الآخر سنجد أن الإيمان باليوم الآخر مركزية من مركزيات الإسلام الكبرى، ولا تكاد تخلو سورة من ذكر اليوم الآخر والتنبيه عليه وذكر الفضائل المرتبطة به.


وأما ما أنزل من قبل رسول الله فأظن والله أعلم أن الله أعاد ذكره رغم أنه داخل في الإيمان بالغيب نظراً لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا وحيداً، فيذكرنا الله بالأمم قبلنا وأننا لسنا وحدنا، وأن لكل عصر مسلموه الذين صبروا، فنتخذ إخواننا قدوة لنا، وهذا المعنى ملموس في سورة الفاتحة إذ يقول الله:-

(اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم).


اي اهدنا كإخواننا الذين أنعمت عليهم واجعلنا معهم، وبالرجوع لسورة الأنبياء سنجد هذا المعنى أيضاً فالله بعدم ذكر قصص أنبيائه موسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوط ونوح وداوود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ويونس وزكريا ومريم قال:-


( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)


فأظن والله أعلم أن الله نبه على الإيمان بما أنزل قبلنا لتذكيرنا بأننا لسنا وحدنا وأننا متجذرون على مر الزمان، وأن أمتنا عظيمة وكبيرة، فنشعر بالأنس رغم وحشة الطريق.


والله أعلم.


خامساً: أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. 


من جمع صفات الإيمان بالغيب وإقام الصلاة ومما رزقهم الله ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله وما أنزل من قبله وبالآخرة هم يوقنون أولى على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. 


ولكن هذا الهدى وهذا الفلاح لن يأتي إلا بالقرآن الكريم فهو الهدى للمتقين الذين هم هذه هي صفاتهم.


والله أعلم. 


سادساً: العمل الذي نعمله في هذه الآيات.

1- تلاوة القرآن وتدبره فهو الهدى.

2- اتقاء عذاب الله بترك الذنوب والتوبة.

3- الإيمان بالغيب المذكور في حديث رسول الله.

4- إقامة الصلاة في ميعادها.

5- دراسة فقه الصلاة.

6- الإنفاق في سبيل الله.

7- قراءة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

8- قراءة سير الأنبياء.

9- القراءة في أحداث يوم القيامة ووصف الجنة والنار.


تحليل ثاني خمس آيات من سورة البقرة

أولاً: السياق العام للآيات. 

في التدبر السابق ذكر الله صفات المؤمنين، وفي هذا التدبر نجد الله سبحانه وتعالى يذكر صفات الكافرين ثم صفات المنافقين، والملحوظ أن صفات الكافرين لم تأخذ كثير بيان، فصفات المؤمنين استغرقت خمس آيات، وصفات الكافرين آيتين فقط، وأما صفات المنافقين فاستغرقت اثني عشرة آية، وكثيرة تفاصيلها في وصف المنافقين. 


وهذا والله أعلم فيه فوائد وهي:-

1- الحياة ليست أبيضاً وأسود (مؤمنين وكافرين) بل الأكثر فيها اللون الرمادي (المنافقين) والكيس الفطن هو الذي يفرق بين خير الخيرين وشر الشرين وخير الشرين وشر الخيرين، فذاك هو الفقيه حقاً.


2- أكثر الناس لا يعلنون الكفر، بل يدعون أنهم مؤمنين ثم يطعنوا في الإيمان إما بتعمد أو بجهل، والمتعمدين كإبراهيم عيسى وإسلام بحيري وخالد الجندي وحثالة الإعلام المصري، والجهال كالمتعالمين الذين لا تبين لهم حكماً شرعياً إلا وجدتهم يردون عليك بردود عجيبة مثل (الله رحيم لا يمكن أن يفعل هذا) إلى آخر قائمة هذه الردود اللزجة. 


3- التحذير من أن يقع المؤمن في النفاق، فصفات المنافقين كثيرة لهذا فصلت الآيات القول فيهم باستفاضة ليحذر المؤمن أن يكون منهم.


والله أعلم.


ثانياً: آيتي وصف الكفار. 


وصف الله سبحانه وتعالى الكفار في آيتين قائلا جل وعلا:-


{ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم }.


الكثير والكثير من الوقفات لدينا هنا، فالله يخبر نبيه أن الذين كفروا سواء أنذرهم وخوفهم من الله أم لا لن يؤمنوا وسبب عدم إيمانهم هو أن الله طبع على قلوبهم. 


وهنا يأتي السؤال: لماذا طبع الله على قلوبهم؟ 


قد يقول قائل لكفرهم وعنادهم طبع الله على قلوبهم، وهذا ما قالوه علماء التفسير الميسر والإمام السعدي وثلة من المفسرين. 


ولكن هنا يتبادر للذهن سؤال آخر وهو: أليس من الأفضل أن يترك قلوبهم بدون طبع؟ أليس هذا أدعى لإيمانهم في يوم من الأيام؟ فالطبع على القلب يؤدي بنا لمآلات كثيرة ومنها:-


1- عبثية النبوة، فإذا طبعت على قلوبهم فلماذا أرسلت النبي محمد من البداية طالما أنك لن تترك لهم وقتاً طويلاً ليفكروا؟


2- خطأ الإسلام كاملاً، الإسلام دين الحق، وبهذا من المفترض أن هذا دين الله، والله يعلم أن الكافر المعاند يحتاج وقتاً طويلاً ليقبل الحق، وعندنا صحابة كثر آمنوا وأسلموا بعد فتح مكة مثل سيدنا أبي سفيان رضي الله عنه، فلماذا تطبع على قلوبهم وتمنع عنهم أية فرصة للإسلام؟ لعنادهم؟ اتركهم لعلهم يؤمنون يوماً، أليس هذا هو الأفضل؟


أستمتع كثيراً بهذه الاعتراضات الإلحادية التي كنت أعترض بها أيام إلحادي، ولهذا دعونا نستمتع قليلاً بالإجابة على السؤال عن علة الطبع على قلوب الكافرين لندرك جانباً من عظمةً الله، وكيف أننا بتقصيرنا ومعاصينا نخسر كثيراً في الابتعاد عن إلهنا.


أجل هذه الآيات يا سادة هي مدخل عظيم ليسبح قلبك في فضاء حب الله وعظمته، كيف؟ ركز معي، ولنبدأ الأمر من البداية، قبل خلق الكون، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:-


( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ).


ما معنى هذا الحديث وما علاقته بختم الله على قلوب الكافرين؟ ركز معي.


الحديث يقول أن الله سبحانه وتعالى كتب مقادير الخلائق، ما معنى هذا؟ معنى هذا أن الله كتب كل الأحداث التي سيتعرض لها جميع مخلوقاته من أول العرش حتى أصغر كوارك في التركيب الذري للمادة.


طيب ما علاقة هذا بآية الختم على قلوب الكافرين؟

صبرك علي.


كتابة الله لجميع الأحداث التي سيمر بها جميع مخلوقاته تعني أن الله سبحانه وتعالى عنده علم مسبق بحصول هذه الأحداث وتفاصيلها وهذه نقطة أولى احفظها سنستخدمها بعد قليل.


إذا الله عنده علم مسبق بكل ما سيقع لجميع مخلوقاته. (النقطة الأولى). 


وبما أن هذه الأحداث تحصل لمخلوقاته نتيجة تفاعلهم مع بعضهم البعض فهذا يعني أن هذه الأحداث بنفسها هي مخلوقة من مخلوقات الله سبحانه، وهذه نقطة ثانية. 


إذاً الله سبحانه وتعالى هو خالق هذه الأحداث. 


وبما أن الكون هو كون الله ولن يحصل في كون الله ما لم يشاءه الله إذا فالله أعطى مشيئته لهذه الأحداث أن تحصل، وهذه نقطة ثالثة. 


إذاً الله سبحانه وتعالى شاء حدوث هذه الأحداث لا مشيئة جبرية وإنما مشيئة سماح، أي سيتركها تحصل ولن يمنعها. 


معنا الآن ثلاث نقاط وهي:-


1- الله عليم بكل الأحداث. 

2- الله خالق كل الأحداث. 

3- الله شاء حدوث الأحداث. 

4- ويمكننا أن نضيف نقطة رابعة من الحديث وهي أن الله كتب هذه الأحداث والمقادير.


طيب ما علاقة هذا بآية الختم على قلوب الكافرين؟ 


الإجابة هي: طبق النقاط الأربعة على كفر الكافر، كيف؟ ركز.


1- الله عليم باختيار الكافر للكفر. 

2- الله خلق الكفر حتى يستطيع الكافر اختياره. 

3- الله شاء حدوث الكفر من الكافر مشيئة سماح وإذن لا مشيئة جبر. 

4- الله كتب كفر الكافر. 


إذاً لماذا ختم الله على قلوب هؤلاء الكافرين ولم يمهلهم؟ 

لأنه بكل بساطة يعلم أنهم سيموتون على الكفر، ولن تنفعهم المواعظ ولا الإنذار. 


وهنا يأتي سؤال آخر وهو: طالما أنهم سيموتون على الكفر فما قيمة الختم على قلوبهم طالما أنهم سواء ختم عليها أم لم يختم ففي الحالتين سيموتون على الكفر؟ 


هذا السؤال يرجعنا لطبيعة الختم على القلب، فالختم على القلب ليس معناه فقط أن صاحب القلب المختوم لن يؤمن، لا.


الختم على القلب هو جعل القلب غير قابل لأي خير دنيوي أو ديني، فلا تنفع فيك المواعظ الدينية ولا الدروس الدنيوية ولا تستفيد بأي شئ في حياتك أو آخرتك، فالقلب وعاء العلم، فإن ختم الله على قلبك لم تعقل علماً ولم تفهمه، وعلى هذا فالختم ليس مجرد المنع من الاستفادة بالمواعظ المذكرة بالآخرة، بل أيضاً هو عقوبة دنيوية بألا تستطيع أن تستفيد بشئ من دنياك فتهيم حيرانا غير موفق وفاشل في كل شئ في حياتك. 


لذلك إذا كان كل شئ فاسد في حياتك فراجع صلاتك الجمعة فمن ترك الجمعة بدون عذر ختم الله على قلبه. 


راجع ذنوبك ومدى تقواك لله فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن الذنوب تؤدي إلى الختم على القلب فقال نصاً:-


( إن العبد إذا أخطأ نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن زيد عاد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكره الله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).


فالعبد الذي يبتعد عن الذنوب ويحافظ على الصلاة تجده نشيطاً في أمور دينه مما يستدعي نشاطه في أمور دنياه.


وقد يأتي هنا سؤال آخر يقول طالما أن الله يعلم أن الكافر سيكفر فلماذا خلقه؟ وهذا السؤال هو نفس سؤال الملائكة إذ قالوا:-

{ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}.


وهذه آية في سورة البقرة، والجواب عندي جاهز لكنه سيخرجنا عن تدبر الآيات، لذلك سأرجئ الإجابة على هذا السؤال حتى نصل لتدبر آيات خلق الله لآدم.


ومما نستفيده أيضاً من آيتي الختم هو أن عدم اتباع الوعظ هو سبب للانتكاس، فالله سبحانه وتعالى ما ختم على قلوبهم إلا لرفضهم الحق بعدما تبين لهم، فلما لم يتبعوا الوعظ عاقبهم الله بالختم على قلوبهم، وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل في سورة النساء :-


{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيما ولهديناهم صراطاً مستقيما} 


فربط الله سبحانه بين العمل بالموعظة وبين ثواب التثبيت والأجر العطيم والهداية للصراط المستقيم، ولهذا لما رفض الكفار الإسلام بعد إنذارهم و وعظهم وتبيين لهم أنه الحق من ربهم كانت العاقبة هي عدم التثبيت بالختم على القلب فلا يهتدون ولهم عذاب عظيم.


فإذا وضعنا آية الختم في البقرة وآية الوعظ في النساء وجدنا أنهما يبينان نفس المعنى ولكن بشكل معاكس.


1- ففي آية البقرة يتحدث الله عن مآل الكافرين، بينما في آية النساء يتحدث الله عن مآل المؤمنين.


2- في آية البقرة الكافرين لم يعملوا بالموعظة فكانت عاقبتهم الختم على القلب (الإضلال وعدم الهداية وعدم التثبيت على الحق) وأيضاً العذاب العظيم ، أما في آية النساء فمن عمل بالموعظة فجزاؤه الحصول على الهداية والحصول على التثبيت ومعهم الأجر العظيم.


لذلك يا إخواني من أراد الهداية وأراد الرشد عليه باتباع القرآن والسنة وما فيهما من مواعظ، ومن أراد الختم على القلب والضلال فليرفض الحق وليتبع هواه.


ثالثاً: آيات المنافقين:-


{ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) } 


أتذكر سيد القمني الذي ظهر على شاشة التلفاز ليقول أنه مسلم صحيح الإسلام وهو في الحقيقة ملحد، وأتذكر إسلام بحيري الذي يدعي أنه يحاول تبرئة النبي صلى الله عليه وسلم من المساوئ التي يظن أن البخاري نسبها له وهو في الحقيقة محارب لله ورسوله.


وقس على هذا جميع منافقي الأمة، يقولون آمنا بالله واليوم الآخر ولكنهم ليسوا مؤمنين، وهنا فائدة عظيمة لنا نحن المؤمنين وهي:-


الله سبحانه وتعالى وصف المنافقين بأنهم في قلوبهم مرض، ولهذا فهم منافقون لذلك احذر أخي المسلم من أن يكون قلبك مريضاً والقلب المريض هو المرض الذي تمده مادتين، مادة كفر ومادة إيمان، فإن طغت مادة الكفر على الإيمان فأنت منافق خالص، وإن طغت مادة الإيمان على الكفر فأنت مسلم عاصي، والمعصية تختلف باختلاف درجتها، فإما معاصي صغيرة، وإما معاصي كبيرة، فإما أنك مذنب أو فاسق، فاحذر كل الحذر أن يكون قلبك مريضاً تمده مادة كفر فتجد نفسك في النهاية في الدرك الأسفل من النار.


ومن الفوائد أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يرد على أولئك الذين يقولون أن الإيمان لا يستلزم العمل، فالمنافقين يدعون أنهم مؤمنين، ولكن الله يشهد إنهم لكاذبون في سورة المنافقون، إذاً فالإيمان ليس مجرد النطق باللسان فقط، بل هو تصديق القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح. 


رابعاً: العمل في هذه الآيات:-

1- تعلم عقيدة القضاء والقدر.

2- فعل المواعظ لكي نثبت على الدين.

3- قبول الحق ولو كان مراً حتى لا يختم الله على قلوبنا.

4- ترك الذنوب حتى لا يران على قلوبنا. 

5- العمل بما يقتضيه الإيمان حتى لا نكون من المنافقين.



تعليقات

  1. جزاك الله كل الخير
    خامسًا: أولئك على من ربهم وأولئك هم المفلحون ( وليس المتقون)

    ردحذف
    الردود
    1. أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

      حذف
  2. في اعلانات كثير في الموقع للتنصير ممكن تلغيها

    ردحذف
  3. مقال ممتاز جِدَّا بارك الله فيك، لكن عليك بتصحيح كتابة الآيات ومراجعة ذلك، فمثلًا الله تعالى يقول: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
    وليس ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم غشاوة.
    فيُرجى الانتباه أكرمك الله
    بارك الله فيك يا أخي الكريم

    ردحذف
    الردود
    1. مسلم سليمان14 يوليو 2022 في 9:05 ص

      شكراً جداً لتنبيهي

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟