ترتيب مراحل خلق الكون في القرآن الكريم
أولاً: مفهوم الليل والنهار في الإسلام ومراحل خلق الكون.
يرتبط مفهوم الليل والنهار عند كثير من الناس بالنور والظلام، فطالما أن الكوكب مظلم إذاً فهذا ليل، وطالما أنه مضئ إذاً فهذا نهار.
ولكن صدق أو لا تصدق هذا مفهوم خاطئ تماماً، فالليل قد يوجد مع النور، والنهار قد يوجد مع الظلام، ولا علاقة للنور والظلمة بالليل والنهار.
المعيار الضابط لمفهوم الليل والنهار في الإسلام هو الشمس والقمر وليس النور والظلام، فإن كان نصف الكوكب مقابل للشمس فحتى وإن كانت الشمس مطموسة النور وهذا الجزء من الكوكب مظلم إلا أن هذا هو النهار.
وإن كان النصف الآخر من الكوكب مواجه للقمر فحتى وإن كان القمر ساطعاً أشد من الشمس فهذا الجانب من الكوكب المواجه للقمر اسمه ليل وإن كان ساطعاً أشد من الشمس.
وذلك لأنه وبكل بساطة النهار والليل في الإسلام مرتبطين بالشمس والقمر بغض النظر عن كم الضوء المنبعث من كل منهما.
والدليل على هذا قوله تعالى:-
{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } الإسراء : 12.
محى الله آية الليل.
أبصر الله آية النهار.
ما معنى محو آية الليل؟ وما معنى محو آية النهار؟ يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية:-
( كان القمر يضئ كما تضئ الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار، فمحونا آية الليل أي السواد الذي في القمر).
معنى هذا الكلام هو أن الليل تعريفه مواجهة كوكب الأرض في أحد شقيه للقمر، وقد كان القمر يضئ يوماً ما كالشمس، ورغم شدة الإضاءة هذه إلا أن الله سمى هذه المواجهة للقمر ليلاً، فمحى الله آية الليل أي محى النور الساطع من القمر وسوده.
وعلى هذا فالليل ليس له علاقة بالظلام، بل بالقمر، فإن كان شق كوكب الأرض مواجهاً للقمر فهذا الشق في ليل حتى وإن كان القمر يضئ كالشمس.
وكذلك النهار إن كان شق الكوكب مواجهاً للشمس فهذا الشق في نهار وإن كانت الشمس مطموسة مطفية.
وعلى هذا فلا علاقة للنهار والليل بالنور والظلام، بل ضابط الليل والنهار هو مواجهة الشمس والقمر بغض النظر عن كم النور الساطع منهما.
ثانياً: التسوية والدحي والخلق ومراحل خلق الكون
قبل التكلم عن مراحل خلق الكون في القرآن يجب أولاً أن نفهم هذه المصطلحات الثلاثة والتي هي ( التسوية - الدحي - الخلق) فهذه المصطلحات الثلاثة بسبب جهل الكثير بها وعدم تفرقتهم بين معانيها خلط بينها وكأنها كلها بمعنى واحد والذي هو الخلق.
والحق أن للتسوية معنى.
وللدحي معنى.
وللخلق معنى.
فأما التسوية فهي:-
التقويم والتعديل وازالة العوج وجعل الشئ مستوي بلا انخفاض ولا ارتفاع، وتسوية السرير ترتيبه وتنظيفه، والتسوية بين شيئين جعلها متعادلين ومتماثلين، وتخلية الشئ من العيوب أيضا تسوية.
إذاً عندما يقول ربنا تبارك وتعالى أنه سوى السماء فهذا يعني أنه قوم السماء وعدلها وأزال العوج منها ورتبها وخلاها من عيوبها.
أما الخلق فهو:-
الإيجاد بعد عدم.
وأما الدحي فهو:-
دحي الخباز للعجينة اي جعلها على هيئة بيضة، والتدحية للشئ توسيعه وبسطه ومده وإعماره.
إذاً عندما يقول ربنا تبارك وتعالى أنه دحى الارض فهذا يعني أنه جعلها مكورة مائلة للبيضاوي وبسطها وقدر فيها أقواتها وجعلها مهيئة للسكن.
والفرق بين المصطلحات الثلاثة يكاد يكون واضحاً ولكن لنوضحه أكثر، الخلق هو الإيجاد بعد العدم، أما التسوية والدحي فلا يعنيان أن الله يخلق الشيء، بل هو خلقه أصلاً بالفعل وانتهى من هذا، فالتسوية والدحي هما عمليتان يتمان بعد الخلق اصلاً.
فإن قال الله أنه يسوى السماء فهذا لا يعني أنه يخلق السماء، بل هو أصلاً انتهى من خلقها وهذا أوان تسويتها، وإن قال أنه دحى الأرض فهذا لا يعني أنه يخلق الأرض بل الأرض مخلوقة منذ زمن انما يعني أنه يهيئها للحياة.
أرجو أن يكون هذا المعنى قد وصل.
ثالثاً: مفهوم السماء في القرآن ومراحل خلق الكون.
أيضاً قبل الولوج لترتيب خلق الكون في القرآن يجب أن نفهم مفهوم السماء في القرآن، فالكثير يظن أن السماء إن ذُكِرَت في القرآن تعني الكون كما في قوله تعالى:-
{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
فأجل السماوات في هذه الآية تعني الكون بأكمله، ولكن الله عز وجل أيضاً يقول:-
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}.
وعلى هذه الآية وبجمعها مع الآية الأخرى يتضح لنا أن هناك فرق بين السماء والسماء الدنيا، فالسماء الدنيا هي جزء من السماء العامة والتي هي الكون والتي هي بدورها جزء من السماوات السبع.
وبالرجوع لمعاجم اللغة نجد أن لفظ السماء يطلق على كل ما علاك فسقف بيتك اسمه سماء لأنه يعلوك، وقد كان هذا المعنى موجوداً في القرآن الكريم إذ يقول الله تبارك وتعالى:-
{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }.
يقول التفسير الميسر في تفسير هذه الآية:-
( من كان يعتقد أن الله تعالى لن يؤيد رسوله محمدًا بالنصر في الدنيا بإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته، وعذابِ مَن كذَّبه، فلْيَمدُدْ حبلا إلى سقف بيته وليخنق به نفسه، ثم ليقطع ذلك الحبل، ثم لينظر: هل يُذْهِبنَّ ذلك ما يجد في نفسه من الغيظ؟ فإن الله تعالى ناصرٌ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم لا محالة).
وعلى هذا ليس كل لفظ سماء يقصد به الكون كاملاً، بل يجب النظر في سياق الآية والقرائن المحيطة بها لنفهم هل الله يقصد السماء الدنيا أم يقصد السماء العامة والتي هي الكون كاملاً أم بيقصد سماء من السماوات السبع أم يقصد سماء بمعنى كل ما علاك وظللك؟
رابعاً: آيات سورة النازعات ومراحل خلق الكون.
يقول الله تعالى في سورة النازعات:-
{أأنْتُم أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَناهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَها وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} النازعات:27-33
بسم الله الرحمن الرحيم هذه الآيات لا تتحدث عن الكون ولا عن خلق الكون 🙂
يخلط كثير من الناس بين هذه الآيات وبين خلق الكون، فيظنون أن هذه الآيات تتحدث عن خلق الكون والحقيقة أنها لا تتحدث لا عن خلق السماء ولا عن خلق الأرض، وانما فقط تتحدث عن شيئين وهما:-
1- دحي الأرض.
2- تسوية السماء.
وقد اتفقنا على أن التسوية والدحي غير الخلق، والسماء ليس لها مفهوم واحد، فإذا نظرنا لآيات سورة النازعات سنجد أن الله سبحانه يقول فيها:-
{ أأنْتُم أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَناهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا }.
السماء أغطش ليلها وأخرج ضحاها؟
إغطاش الليل أي إظلام الليل والذي اتفقنا على أن معناه محو نور القمر، وإخراج الضحى أي تقوية نور الشمس وإظهاره.
هل السماء لها ليل وضحى؟
أليس الليل والضحى مرتبطان بالكوكب فقط سواء كان كوكب الأرض أم غيره؟
قد علمنا في بداية مقالنا هذا أن الليل هو مواجهة شق كوكب الأرض للقمر، والنهار مقابلة شق كوكب الأرض للشمس، بغض النظر عن كم النور المنبعث منهما صفراً كان أو ملياراً.
وعلى هذا فحينما يقول الله سبحانه وتعالى أنه أغطش ليل السماء وأخرج ضحاها فالمقصود بالسماء هنا هو سماء كوكب الأرض فقط، والتي هي تلك المساحة من الفضاء التي تضم الشمس والقمر وكوكب الأرض.
وقد يقول قائل أنها تضم مجموعتنا الشمسية كلها نظراً لأن الله أتبع إغطاش الليل وإخراج الضحى بتهيئة الأرض للمعيشة فقال:-
{ وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَها وَمَرْعَاهَا }.
وتهيئة كوكب الأرض للمعيشة لن يتم سوى بوجود باقي الكواكب حوله حاميةً له من الأخطار بجاذبيتها أو ضابطةً لمجاله بتواجدها بقربه.
وهذا المعنى لا بأس به، ولكن المهم أن آيات سورة النازعات لا تتحدث سوى عن دحي الأرض وتسوية السماء الدنيا، ليس حتى سماء كوننا كاملاً، بل فقط ما يحيط بكوكبنا يسمح بتهيئة الحياة فيه.
خامساً: آيات سورة فصلت ومراحل خلق الكون.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة فصلت عن مراحل خلق الكون:-
{ قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (10) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (11) فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ (12) }
قبل أن نشرح الآيات أريد أن أسأل سؤالاً، هل يمكن دحي الأرض بمعنى تهيئة الحياة فيها دون خلق السماء أصلاً؟
- لا.
جميل، إذاً فدحي الأرض مرتبط بخلق السماء وإيجادها، صح؟
- صح.
جميل الآن لننظر للآيات، يقول الله تبارك وتعالى أنه خلق الأرض ودحاها في أربعة أيام، وهنا قد يظن ظان أن الأرض خلقاً ودحياً احتاجت أربعة أيام وهذا مفهوم خاطئ.
لقد اتفقنا على أنه لا يمكن خلق الأرض فضلاً عن دحيها إلا بخلق السماء أصلاً، وبالفعل قال الله سبحانه بعد أن قال (في أربعة أيام سواء للسائلين) قال:-
{ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ }.
فهذا معناه أن السماء كانت موجودة، لحظة خلق الأرض، وعلى هذا فالله خلق السماء ولم يسويها ثم خلق الأرض ودحاها دون أن يسوي السماء، واستغرقت عملية خلق السماء بلا تسوية وخلق الأرض ودحيها أربعة أيام، يومين لخلق السماء بلا تسوية، ويومين لخلق الأرض ودحيها.
ثم استوى الله إلى السماء وهي دخان فسواها وقسمها لسبع سماوات ثم أوحى في كل سماء أمرها وقوانينها التي ستسير بها واستغرقت هذه العملية يومين آخرين.
وعلى هذا فمراحل خلق الكون هي:-
أولاً: خلق السماء بلا تسوية في يومين.
ثانياً: خلق الأرض ودحيها وتهيئتها للحياة في يومين.
ثالثاً: تسوية السماء وتقسميها لسبع سماوات في يومين.
إذاً فعملية خلق السماء مع التسوية استغرقت أربعة أيام، وعملية خلق الأرض مع الدحي استغرقت يومين، فصارت مدة الخلق بالدحي بالتسوية كاملةً هي ستة أيام، يومين للأرض وأربعة للسماء.
سادساً: خاتمة.
لن تستطيع أن تحيا بدون عقيدة، ولن تستطيع أن تحيا بدون آخرة، فاعمل لآخرتك فإنما هي ساعة من نهار نتعارف فيها، والآخرة خير وأبقى.
Thank you brother for your efforts. Actually these verses have led many people astray following incomprehension. Sadly but thankfully I was one of them and it took me almost a full year of particular research to come up with a report explaining the verses of creation without contradicting other verses or science books. Kindly reach out to me for further discussion. Rsjundi@gmail.com
ردحذفمقال رائع .. جزاكم الله خيرا
ردحذفجزاك الله خيرا
ردحذف