تقوى الله | ثاني أخطر ملف في حياة المسلم
أولاً: سبب كتابة هذا المقال.
في خطبة الجمعة بعد رمضان تكلم خطيب مسجدنا عن كيفية الحفاظ على ما حققناه في رمضان، وأثناء خطبته ذكر قول الله سبحانه وتعالى:-
{إنما يتقبل الله من المتقين}.
وقعت الآية في قلبي وقعها، هل فعلاً لا يتقبل الله من العصاة؟ هل فعلاً فقط المتقين هم الذين يتقبل الله منهم صلاتهم وصدقاتهم؟
فرجعت لكتب التفاسير وسياق الآية ومفهوم التقوى في الإسلام لكي أفهم هذه الآية، فخرجت بمفاهيم كثيرة جليلة رأيت أنه من المناسب أن أجمعها في هذا المقال، أتمنى أن تستمتعوا.
ثانياً: ما هي التقوى؟
للتقوى معنيان، معنى قرآني ومعنى لغوي، ولنبدأ باللغوي، التقوى لغةً من الاتقاء والوقاية، أي أن تتقي الشئ وتتجنبه، وعلى هذا تكون تقوى الله هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وغضبه وقاية.
وعلى هذا فالتعريف العملي لتقوى الله هو أنها إتيان ما يرضيه، واجتناب ما يغضبه والسعي في جلب رضاه.
هذا هو المعنى اللغوي للتقوى، فما هي التقوى في القرآن؟
إذا نظرنا للقرآن وجدنا الله سبحانه يقول:-
{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177) }.
أنهى الله سبحانه هذه الآية بقوله:-
{أولئك هم المتقون}.
من هم المتقون؟
الذين جمعوا الخصال في هذه الآية، وهذه الخصال هي:-
1- الإيمان بالله.
2- الإيمان باليوم الآخر.
3- الإيمان بالملائكة.
4- الإيمان بالكتب.
5- الإيمان بالنبيين.
6- إتيان المال وكثرة الصدقة.
7- إقام الصلاة.
8- إيتاء الزكاة.
9- الوفاء بالعهد.
10- الصبر في البأساء والضراء وحين الشدة.
من جمع هذه الخصال كان تقياً خالصاً وقبول أعماله وثواب أعماله ليس كقبول وثواب أعمال من هو أقل منه، ومن نقص منها شئ نقص من تقواه مثلها وبالتالي نقص من أجور أعماله فالدنيا تخالط قلبه أثناء قيامه بالعبادات فليس تقياً خالصاً وليس قلبه دائماً حاضراً وعلى هذا فليس أجر صدقته كأجر صدقة التقي الخالص، ومن لم يجمع منها شئ كان كافراً خالصاً وبالتالي لا يتقبل منه الله سبحانه منه أي عمل، إذ أن أول منازل التقوى كما بينت الآية هي الإيمان بالله، فإن لم تؤمن فأنت كافر، وإن آمنت ولم تعمل بإيمانك فأنت زنديق، وعلى هذا فقبول العمل في هذه الحالة هو صفر.
ثالثاً: تفسير قوله تعالى {إنما يتقبل الله من المتقين}.
بعد أن عرفنا أن تقوى الله هي اتقاء غضب الله وعذابه، وهي جمع عشر خصال ذكرت في الآية 177 في سورة البقرة وهي الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وإتيان المال في سبيل الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر على البأساء والضراء، فبعد أن عرفنا هذا كله سيتضح لنا معنى قوله تعالى أنه يتقبل من المتقين.
فأولئك الذين لا يؤتون أول منزلة من منازل التقوى التي ذكرتها سورة البقرة وهي الإيمان بالله، فأي عمل يقبل منه؟ لا شئ.
يقول الله تعالى عن أعمال الكافرين:-
{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا }.
أي أن أعمالهم الخيرة والتي ظاهرها البر جعلها الله هباءً منثورا، لم يتقبلها الله منهم لأنهم لم يبلغوا حتى أول منزلة في التقوى ألا وهي الإيمان بالله، ولهذا لم يتقبل الله منهم أعمالهم.
فإذا نظرنا للأتقياء حقاً وجدنا الله سبحانه يقول عنهم:-
{ إن المتقين في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
يقول الإمام السعدي في تفسير هذه الآية وأنا من العاشقين لتفسير الإمام السعدي بالمناسبة، يقول رحمه الله:-
{ ( إن المتقين ) لله ، بفعل أوامره وترك نواهيه ، الذين اتقوا الشرك والكبائر والصغائر . ( في جنّات ونهر ) أي : في جنات النعيم ، التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من الأشجار اليانعة ، والأنهار الجارية ، والقصور الرفيعة ، والمنازل الأنيقة ، والمآكل والمشارب اللذيذة ، والحور الحسان ، والروضات البهية في الجنان ، ورضوان الملك الديان ، والفوز بقربه ، ولهذا قال : ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده ، ويمدهم به من إحسانه ومنته ، جعلنا الله منهم ، ولا حرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا . تم تفسير سورة اقتربت ، ولله الحمد والشكر}.
هذا هو ثواب المتقين تقوى كاملة، فأما من نقص من تقواه شيئاً وكان أقل اتقاء لله كان أجر أعماله أقل، ومنزلته في الجنة أدنى، وقبول أعماله ليس كقبول التقي تقوى كاملة، يقول الله سبحانه:-
{وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}.
الجنة درجات، وما بين الدرجة والدرجة عظيم، ومنوال التفاضل بين درجات أهل الجنة وقبول أعمالهم هو مدى تقواهم لله عز وجل.
جعلني الله وإياكم من المتقين.
تعليقات
إرسال تعليق