التوحيد
أولاً: خلقنا الله لنقوم بالتوحيد.
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
آية كلنا نعرفها ونحفظها وما إن يخطر على بالنا السؤال عن سبب وجودنا إلا ونستحضر هذه الآية الكريمة في نفوسنا، وهنا نتوقف، ولا نسأل أنفسنا، ما معنى العبادة؟ إنها ليست مجرد الصلاة والصيام والزكاة والحج، وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، العبادة هي أن تكون حياتك كلها لله عز وجل، ولهذا أمر الله سبحانه نبيه ﷺ أن يقول:-
{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين }.
هذا هو معنى العبادة، وهي أن تكون حياتك كلها سائرة بحسب مراد الله عز وجل، ولكن يجب أن تعلم أن العبادة وحدها لا تكفي، وقبل أن تستصعب الأمر وتقول لي في صدمة إذا كانت حياتي كلها لله فكيفف هذا لا يكفي؟ دعني أقول لك أن الله عز وجل لا يرضى أن يُشرِكَ معه في عبادته أحد، أي أنك إن عبدت الله وعبدت غيره معه فما لعبادتك إياه سبحانه نفع لك، فقد أمرنا الله عز وجل وقال:-
{ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا }.
أجل خُلِقنا لعبادة الله عز وجل ولكن العبادة بدون التوحيد لا تنفع فقد قال الله عز وجل:-
{ لئن أشركت ليحبطن عملك }.
فإذا علمت يا أخي أنك خُلِقتَ لأجل عبادة الله عز وجل وأن العبادة لا تستقيم ولا تنفع إلا بالتوحيد علمت أنك خلقت لأجل القيام بالتوحيد.
ثانياً: فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب.
"يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟
حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
وحق العباد على الله ألا يعذب من لم يشرك به شيئا"
هذا الحديث الشريف يوضح لنا أن التوحيد هو حقٌ واجبٌ له سبحانه، أي أنه لا شكر لنا فيه، ولهذا كان جزاؤه فقط ألا يعذبنا الله، لا أن يدخلنا الجنة، بل فقط ألا يعذبنا، ولكن...
رغم أن حق الله هو أن نقوم بالتوحيد كحق له سبحانه إلا أنه جل وعلا بكرمه وفضله تفضل وتكرم علينا بأن جعل لنا مقابل قيامنا بالتوحيد أجوراً عظيمة رغم أن هذا واجبنا أصلاً، ولكنه كرمه سبحانه، فانظر إلى فضل الله وكرمه الدي من به على من قام بالتوحيد، يقول الله عز وجل:-
{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }.
هذه الآية لما نزلت قال الصحابة رضوان الله عليهم لسيدنا رسول الله ﷺ "أينا لا يظلم نفسه يا رسول الله؟" فرد عليهم رسول الله ﷺ وقال "إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }.
فيكون معنى الآية الكريمة أن الذين آمنوا بالله ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أي لم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم عند الله سبحانه أجران، الأول وهو الأمن، أي الأمن في الدنيا والآخرة، فتجد الموحد مؤمنا بالله مطمئناً به، محسناً ظنه بربه سبحانه، راضٍ بأقداره، عالماً أن الله لا يصدر منه شر قط وإن خفيت حكمة الأقدار، لا بخاف من فوات حظ من حظوظ الدنيا، فالله عنده هو الغاية، والدنيا بالنسبة له هي الوسيلة إلى الله عز وجل، فتجده مطمئن القلب هادئ البال ولهذا يقول الله عز وجل:-
{ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى }
هذا هو أمن الدنيا فما بالكم بأمن الآخرة، إنه البعث آمناً، فالكل يُبعَث خائفاً إلا نفسٌ حققت التوحيد، ثم الأمن الأكبر وهو دخول الجنة والسكون في الغرفات، أما سمعت قول الله عز وجل :-
{من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون}.
والجزاء الثاني لمن حقق التوحيد كما بينته الآية الكريمة هو الاهتداء فتجد الموحد في الدنيا مهتديا لما فيه من صلاح قلبه وعقله ودينه وأهله، حتى إذا جاء يوم القيامة هداه الله سبحانه إلى الجنة والفردوس الأعلى، فتأمل أخي الموحد كرم الله عز وجل لجزاء من آمن ولم يلبس إيمانه بشرك، فاسعى كل سعيك أن تحقق التوحيد في نفسك، وتنقية قلبك من كل ما قد يشوبه.
ثالثاً: تحقيق التوحيد يُدخِل الجنة بغير حساب.
عُرِضَت عليا الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد
إذ رُفِع لي سوادٌ عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ثم نظرت فإذا سواد عظيم
فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
ثم قال: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".
أولاً وكتعليق جانبي خارج الموضوع بحكم أني أدرس المسيحية فقد لفت انتباهي أن رسول الله ﷺ لم يذكر لسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام سواداً وإنما ذكر موسى فقط، وهذا ما يتوافق مع ما درسناه من كون تحريف الإنجيل بدأ منذ القرن الأول من نجاة السيد المسيح من الصلب، فتوافق الحديث الشريف ما علم مقارنة الأديان هو من دلائل نبوته ﷺ
ثانياً موضوعنا في هذا الجزء من المقال هو بيان أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، فما وجه الدلالة في هذا الحديث على مرادنا؟ وجه الدلالة هو قول رسول الله ﷺ عن صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم:-
( لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ).
لا يسترقون ولا يكتوون أي لا يطلبون الرقية أو الاكتواء من أحد، وذلك لشدة تعلقهم بالله عز وجل، وعلى كل فالمعنى أنهم دائموا السؤال لله وحده، وقلما يسألون أحداً من الخلق، أو بمعنى آخر هم مستغنون بالله عن العالم، مدركون أن العباد ليس بأيديهم لهم نفعٌ ولا ضر، وأن كل ما يحصل على يدي العباد من خير أو شر فما هو إلا بإذن الله تعالى.
كما أنهم لا يتطيرون، أي لا يتشائمون وذلك لحسن ظنهم بالله عز وجل النابع من شدة إيمانهم به سبحانه، فتجدهم دائماً متقائلين بالخير، تدك بهم النكبات ولكن نفوسهم مطمئنة بأن في هذا خير لهم هم لا يعلموه، صابرين ثابتين محسنين الظن بالله.
ثم بعد أن استغنوا عن الناس، وأحسنوا الظن بالله عز وجل راحوا في الدنيا يجنون منها للآخرة ولكن بتوكلهم على الله عز وجل، والتوكل هو الأخذ بالأسباب مع حسن الظن والرضا بالنتيجة، فتجدهم يأخذون بأسباب الدنيا والآخرة، محسنين الظن بالله عز وجل، راضين بأقداره التي يقدرها.
والله إن هؤلاء لصافية نفوسهم، فجزاهم الله أن أدخلهم الجنة بغير حساب، أفلا تكون منهم؟
رابعاً: الخوف من الشرك وإقامة التوحيد في النفس
في الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق التوحيد في نفسك فاعلم أنه لا توحيد إلا بالخوف من الشرك، إن الخوف يدفعك لتجنب ما تخافه، وإن أحق ما يخاف العبد منه هو الله سبحانه، فإذا كان الله سبحانه لا يرضى من عبده إلا بالتوحيد فإنه يكون من الإيمان هو الخوف من الوقوع في ما يغضب الله الذي هو خوفنا الأكبر.
فإذا تلاعب إبليس فحاول أن يغرك برحمة الله لعلك تعظم شيئاً من الدنيا أشد من تعظيمك لله فيوقعك في الشرك دون أن تدري فاعلم أن الله عز وجل قال:-
{ إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر نا دون ذلك لمن يشاء }
فإذا مت مشركاً فلا رحمة، ولا حتى رائحة الجنة، وإنما النيران، والخلود في العذاب، فاحذر، إن الشرك أطلم الظلم وأهوى المهاوي، أفما رأيت نبي الله إبراهيم؟ إنه الذي وصفه الله تعالى فقال في حقه:-
{وإبراهيم الذي وفى }
نبي الله إبراهيم قد وفى بالأمانة وأقام حق التوحيد ولكن اقرأ ماذا يقول وماذا يدعو:-
{واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.
إبراهيم الذي أتى ربه بقلب سليم، يدعو الله أن يجنبه عبادة الأصنام، إنه يخاف من الوقوع في الشرك، هكذا يكون الموحد، يدعو الله ويستعينه حتى يثبته على طريق التوحيد فلا يهوي في مهاوي الشرك، فما بالك بحالك أنت؟
فإذا غرك شيطانك مرة أخرى وقال لك أنك لا تعبد إلا الله فلا تخشى الشرك، فاسمع لقول رسول الله ﷺ أذ يقول:-
( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) فسئِلَ عنه فقال الرياء.
والرياء هو أن ترائي الناس بأفعالك، انتظر لا تترك هذا الجزء من المقال وتنزل للبحث عن جزء يبدو لك أكثر أهمية، إن الرياء ليس بهذه السهولة التي أنت تتخيلها أو تستهزء بها، إن الشيطان يأتيك وأنت تفعل الخير فيقول لك "فلانٌ قد رآك" هنا شئت أم أبيت سيقع في قليك الرياء إلا إذا كنت ذو قلب سليم، فإياك والركون إلى ثقتك بنفسك، بل الجأ لله واطلب منه أن يحميك من الرياء، والوقوع فيه، فأمره جد خطير، وما من صالح إلا ويوما تلظى بناره.
خامساً: حقيقة التوحيد.
العبادة، البراءة من الشرك، الطاعة، الحب.
أربع كلمات عليها مدار التوحيد، فمن عبد الله وجب عليه التبرء من الشرك وأهله، قائماً بطاعة الله، طارداً كل حب في القلب لا يرضي الله، فعبادتك لله، وسجودك لله، وصيامك لله، ونسكك لله، وتذبح لله، فإذا فعلت أعلنت تبرؤك من الشرك وأهله، كفرت بكل معبود سوى الله عز وجل، فإن فعلت أطعت شريعة الله عز وجل فقمت بالشريعة قدر ما تستطيع، ورفضت كل طاعة في معصية الله، فإن فعلت طردت من قلبك كل حب لا يرضي الله، فحب الله في قلبك هو الأعظم، وحب المال وإن كان حباً فطرياً إلا أنه لا يعدو قدره، وحب الشهوات لا يتخطى حده، وحب الله في قلبك هو الموجه لك المحرك لك الدافع لك.
فإن حققت كل هذا كان قلبك سليماً إن شاء الله
جزاك الله خيرا يا مسلم
ردحذفو بما أنك تكلمت عن التوحيد ممكن تكمل بعده بالكلام عن الشرك و مظاهر الشرك المتخفية التي لا يعلمها الناس
المقال الجاي فعلاً هتكلم عن مظاهر الشرك.
حذفبوركت أخي مسلم.
ردحذفجزاك الله خيراً. مقال رائع
ردحذفهناك بعض الأخطاء البسيطة أرجو منك أن تعدلها
١- انها "ايست" مجرد الصلاة و الصيام »» ليست
٢- و تقول لي "فب" صدمة »» في
٣- اذا كانت حياتي كلها لله "فميف" هذا لا يكفي »» فكيف
٤- لا "بخاف" من فوات حظ من حظوظ الدنيا »» يخاف
بالتوفيق
ايه الجمال ده بارك الله فيك
ردحذفجزاك الله خيرا مقالة استفادت منها كثيرا
ردحذف