الخوف من الشرك
الخوف من الشرك.
خطبة الحاجة قبل مناقشة الخوف من الشرك.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لماذا الكتابة في موضوع الخوف من الشرك؟
في المقال السابق تعلمنا أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، و أن تحقيق التوحيد يستلزم العلم و القيام و الاعتقاد بشرع الله عز و دينه و هو الإسلام العظيم، و هنا قد يظن البعض أنه قد حقق التوحيد، فيغتر بنفسه و يغتر ببعض عباداته، فيكون من الهالكين، فكان من الواجب الكتابة في الخوف من الشرك.
لماذا نخاف من الشرك؟
يقول الله تعالى في سورة النساء:-
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا).
تأملوا يا إخوة هذا الوعيد و هذا التحذير القاسي، كيف أن الله يغفر كل الذنوب مهما فظعت و فجرت، إلا الشرك به سبحانه جل في علاه، فإنه أفظع و أشد و أفچر كل الأفعال و المآثم.
صاحب الشرك غير مغفور له، خالدٌ في النار مخلدٌ فيها أبداً، ألا يستدعي هذا الخوف من الله سبحانه؟ ألا يستدعي هذا أن نخاف من أن نشرك به شيئا؟
قد يقول قائل :-
( الحمد لله أنا أعبد الله وحده لا شريك ولا اسجد إلا لله سبحانه ولا أصلي ولا أتعبد إلا له سبحانه ).
و هنا نرد عليه بأن نقول له يا مسكين، أما إنك و إن تبرأت من الشرك الأكبر و إشراك العبادة بالله سبحانه فما أدراك عدم وقوعك في الشرك الأصغر؟
ما أدراك أنك لم ترائي الناس يوماً؟ أليس هذا شركاً بالله؟ هل تُبتَ منه قبل موتك؟ أم أنك ما زلت تحمل وزره؟
يقول السلف رحمهم الله:-
( ما جاهدت نفسي على شئ مجاهدتها على الإخلاص ).
أأنت مخلص لله في عبادتك أم أنك تريد حظك من الدنيا؟
أتطلب العلم ليرفعك الله في الدرجات أم تطلبه ليُقَال عالم؟ أتقرأ القرآن و تحفظه لتكون من أهل الله و خاصته؟ أم ليتحدث الناس عن جمال صوتك و عذب تلاوتك؟
انتظر...
آالله أحب إليك فعلاً من نفسك؟ أم أن نفسك أحب إليك منه سبحانه؟ إن جئت من عملك مرهقاً مكسر العظام نعس العينين محتاجاً للنوم ثم نادى الأذان بأن الله أكبر، آالسرير و النوم تختار أم للصلاة تقوم؟ ماذا في قلبك أعظم؟ الله أم السرير؟ الدنيا و المواقف تثبت أننا أحياناً نعظم السرير فوق تعظيمنا لله سبحانه، و هذا شرك أصغر به سبحانه، فانظر في نيتك.
إن نبي الله إبراهيم عليه السلام قد مدحه الله تعالى فقال فيه:-
( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا )
أحسن الناس ديناً هو الذي أسلم لله عز و جل و اتبع ملة سيدنا إبراهيم عليه السلام لأنه كان حنيفا أي مائلاً عن الضلال إلى الاستقامة في جميع أعماله لدرجة أن الله اتخذه له خليلاً، فهذه منزلة سيدنا إبراهيم عليه السلام، ثم نفاجئ بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو الله و يقول:-
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ).
إن الحنيف المائل في جميع أعماله من الشر إلى الخير الذي اتخذه الله خليلاً يدعو الله أن يجنبه عبادة الأصنام، أي إيمان و أي خوف ذاك الذي بقلب سيدنا إبراهيم جعلته يخاف أن يعبد الأصنام فدعا الله أن يحميه منها؟
إذا كان سيدنا إبراهيم في كل هيبته و جلاله يخاف الشرك فماذا عنك و عني يا صديقي، بل و ربي نحن أولى بالخوف من الوقوع في الشرك بالله عز و جل.
الخاتمة.
تُب يا صديقي إلى الله، تب حتى لا تتحسر يوم القيامة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
تعليقات
إرسال تعليق