الله و العقل و الدين و الإنسان

مقدمة.

ماذا أرسل الله الأنبياء و الرسل؟ لماذا أنزل الأديان؟ أليست عقولنا كافية لمعرفة كل شئ؟ ثم أليس هناك أكثر من دين على مر التاريخ الإنساني؟ أي دين أصدق؟ دين الفراعنة؟ أم دين الهندوس؟

هذه الأسئلة أجيبها لكم في هذا المقال، أنا أخوكم مسلم سليمان، و أتمنى أن تستمتعوا بالمقال.

لماذا أرسل الله الأنبياء و الرسل بالدين؟

أولاً: البشر كلهم خلقهم الله، و المخلوق يجب أن يكون تابعاً لخالقه، منفذاً لأوامره، مملوك له، فالمخلوقية تعني الافتقار المطلق إلى الخالق، و على هذا فالمخلوق عبد لخالقه، لهذا أرسل الله الأنبياء و الرسل، ليعلموا الناس كيف يكونوا عباداً لله.

ثانياً: الله تعالى هو أكمل الموجودات، فهو الجميل جمالاً مطلقاً، الكامل كمالاً كاملاً، العليم علماً محيطاً شاملاً، و النفس البشرية بطبيعتها تتشوف إلى أن تتقرب للجميل، و كلما كان أجمل، و كلما كان أكمل، كلما كانت النفس إليه أكثر شوقاً و عليه أكثر لهفة، و لأن الله هو الكامل كمالاً مطلقاً، و الجميل جمالاً مطلقاً، فالنفس الإنسانية بفطرتها ظمآنة لمن يعرفها على الله، و لذلك أرسل الله الأنبياء و الرسل ليرووا ظمأ النفوس لخالقها سبحانه.

ثالثاً: الإنسان يعد من أشرف المخلوقات و أعلاها، فهو متصف بصفات تفرقه عن باقي الحيوانات، فهو متصف بالبحث عن العلل و الغايات، البحث عن المعنى من الموجودات، هذه الصفات تجعل النشاطات الإنسانية هي نشاطات متعالية على النطاق المادي، فالإنسان نشاطاته ستكون إما خير و إما شر، إما ظلم، إما عدل، و هنا يجب أن نسأل ما المعيار الذي على أساسه يفرق الإنسان بين هذه المعاني المتباينة؟

محض فطرته؟ فماذا إن فسدت الفطرة؟

يقول عمانوئيل كانط كما نقل كلامه الدكتور عبد الله القرني في كتاب "نظرية المعرفة في الإسلام" :-

( إن هناك معضلة قانونية كارثية، و هي من الذي من حقه أن يضع القانون؟ واضع القانون يجب أن يكون متنزه عن جميع الميول البشرية، كما أنه يجب أن يكون عليماً علماً مطلقاً محيطاً شاملاً بجميع جوانب النفس البشرية، و لا يوجد أحد من البشر هكذا، فكيف نثق في كل قوانيننا و دساتيرنا).

أدرك عمانوئيل كانط أن الإنسان يحتاج لكيان أعلى يضع له المعايير التي على أساسها يتم التفريق بين الخير و الشر، بين الظلم و العدل، بين الحقيقة و الوهم، و لهذا أرسل الله الأنبياء.

رابعاً: الإنسان يمتلك بداخله أسئلة كونية، أو كما يسميها الفلاسفة بالأسئلة الوجودية، و هي (من أين جئت؟ و إلى أين ذاهب؟ و ماذا أفعل هنا؟ و كيف أفعل ما هو مفترض أن أفعله؟ )، هذه الأسئلة لا يملك الإنسان إجابتها، و بسببها ضل الفلاسفة ضلالاً بعيدا، الوحيد المالك لإجابات هذه الأسئلة هو الله، لذلك أرسل الأنبياء.

خامساً: الكمال الإلهي يقتضي أن يرسل الله الأنبياء، فليس من المنطقي أن يخلق و يترك، فالكون كله يدل على حكمته المطلقة سبحانه، و الحكيم لا يعبث، إذاً فلن يخلق و يترك، فلابد أنه خلقنا و ضمن لنا ألا يتركنا وحدنا، و لهذا أرسل الأنبياء.

كم من دين أرسله الله عز و جل. 

من أول آدم حتى أمتنا الحالية ما ظهرت أمة ولا قبيلة منعزلة، ولا قامت حضارة ولا شعوب إلا و أرسل الله لهم نبي أو رسول، و ذلك قوله سبحانه:-

( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ).

فما من أمة إلا و خلا فيها نذير، بل و انظر لدقة الوصف القرآني في كلمة نذير التي توحي بأن كل الأمم التي ظهرت ما تلبث إلا و تنحرف فيرسل الله من ينذرها من هذا الانحراف ليعيدها إلى الاعتدال.

و هؤلاء الأنبياء و الرسل منهم من قصهم الله علينا و منهم من لم يقصهم الله علينا و ما علمنا عنهم أحد :-

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ).

و دعوة كل هؤلاء الأنبياء و الرسل دائماً واحدة، و هي لا إله إلا الله، جاؤوا بالتوحيد و كلهم نادوا بأنه لا محبوب ولا مرغوب ولا معبود بحق إلا الله وحده سبحانه.

( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ).

و رغم أن عقيدة الأنبياء و الرسل كلهم واحدة، إلا أن شرائعهم مختلفة، فكل نبي كان لزمنه و ظروف قومه الذين أرسل إليهم طبيعة خاصة تقتضي أن تكون الشريعة ملائمة لهم، و لهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:-

( إنَّا معاشرَ الأنبياءِ دينُنا واحدٌ ، والأنبياءٌ أخوةٌ لعلَّاتٍ ، وإنَّ أوْلَى النَّاسِ بابنِ مريمَ لأنا ، إنَّه ليس بيني وبينهُ نبيٌّ ).

 فإذا قال قائل أي وحي نصدق، قلنا له أن الأنبياء كلهم دينهم واحد و هو التوحيد، و ما آن مات الأنبياء حتى حُرِّف الدين و انحدر موحدوا الأمس إلى مشركي اليوم.

الخاتمة

إن النفس الإنسانية لا تحيا ولا تسعد إلا بالقرب مِن مَن وهبها وجودها، و إن القلب لا يسكن إلا بالله، فاقتربوا من الله تفوزوا، او ابتعدوا عنه فتخسروا، و السلام عليكم.

إذا أعجبك المقال اضغط على زر الإعجاب و قل لي رأيك في التعليقات.

كما يمكنك الاشتراك في قناتنا على اليوتيوب:-
مسلم سليمان - Muslim Soliman

و أيضاً يمكنك دعمنا على موقع بايبال:-
ادعمنا الآن على PayPal

كما أنا يمكنك دعمنا على موقع باتريون:-
ادعمنا الآن على Patreon

تعليقات

  1. المقال جميل جداً ربنا يبارك فيك يا اخويا

    ردحذف
    الردود
    1. الله يبارك لك أخي محمد، أتمنى أن تكون استفدت و استمتعت بالمقال.

      حذف
  2. كالعادة مبدع
    جزاك الله خيرا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟