ثلاث أحاديث في عظمة الله تعرف عليها الآن

 


مقدمة. 

يقول الله سبحانه وتعالى:-


{ إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِرَ الله وجلت قلوبهم }.


أول صفة من صفات المؤمنين هي أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، فما معنى الوجل؟ الوجل في معجم المعاني هو الخوف والفزع. 


إذاً فأول صفة من صفات المؤمنين هي أنهم يخافون ويفزعون إذا ذُكِرَ اسم الله عز وجل، فكيف نحقق الخوف من الله سبحانه وتعالى في قلوبنا لكي نحوز هذه المكانة؟ 


يخبرنا الشيخ محمد صالح المنجد في سلسلة أعمال القلوب في كتيب الخوف أن أول سبب يؤدي بنا إلى أن نخاف الله عز وجل هو أن ندرك عظمة الله سبحانه وتعالى.


فكيف ندرك عظمة الله سبحانه وتعالى؟ هذا هو ما سأفعله في هذا المقال، سآخذك في رحلة لنتعرف على بعض ملامح عظمة الله سبحانه وتعالى وبالطبع لن نتكلم بلا علم، بل سنسأل الله سبحانه نفسه أن يعلمنا، ثم نبحث عن الإجابة والتي سنجدها في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ولأننا لن نستطيع أن نتناول جميع نصوص الوحي التي تكلمت عن عظمة الله سبحانه وتعالى إذ أن هذا يحتاج إلى رسالة ماجستير منفصلة ولا يمكن حصرها في مقال على موقع فسنضطر حزانى أن نكتفي بتناول ثلاثة أحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وصدقني ستخرج من هذا المقال إن قرأته بتمعن إنساناً آخر، ولنبدأ.


الحديث الأول.


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ).


بداية الحديث هي:-

( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ) 

ومعناه : أنه تعالى هو الأول قبل كل شيء، الذي لا يُـتَـصَور لأوليته مبدأ حتّى يمكن أن يُـتَـصَور قبله شيء، بل هو الأول بلا بداية، كما أنّه الآخر بلا نهاية، فما من غاية يقدرها العقل إلا وأزليته تعالى قبلها، بلا غاية محدودة.


و « الأزل » معناه عدم الأولية، فليس « الأزل » شيئا محدوداً، وقد رُويَ في الحديث : أن رسول الله صل الله عليه وسلم سُئِل: أيــن كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ فقال: « كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء» وهذا كقوله صلال عليه وسلم : « أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء.


ففيه دلالة على أولية الله سبحانه وتعالى، وأنه قبل كل شيء، وأبديته سبحانه وتعالى، وبقائه بعد كل شيء، فالأول: يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن، ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية؛ إذ السبب والمسبب منه تعالى.


والآخر: يدل على أنه هو الغايـة، والصّمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتأليها، وتعبدها، ورغبتها، ورهبتها وجميع مطالبها. 


وقوله صل الله عليه وسلم: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ).


فمعناه أن وقت خلق السماوات والأرض كان عرشه على الماء ، كما قال تعالى:-


﴿ وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء }-.


وفيه دليل على : أن خلق العرش ســــابق على خلق السمـــاوات والأرض، وأنّ العرش كان على الماء عند ابتداء خلق السموات، والأرض.


وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى خالق كل شيء، وأن كل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، مع أنه تعالى لم يزل بصفاته خالقا فعالا لما يريد.


والخلق من صفات الكمال ، کمــا قال تعالى:-

{ أفمن يخلق كمن لا يخلق }


فلا يجوز أن ينفك عن هذه الصفة، ولكن كل مخلوق محدث مســـبـوق بالعدم، وليس مع الله شيء قديم، ولا شك أن هذا أبلغ في الكمال من أن يكون معطلا غير قادر على الفعل.


قال الله تعالى:- 

{والله خلق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ﴾ [ الزمر : ٦٢ ].


فكل ما ســواه تعالى فهو مخلوق له، مربوب مدبر، مكون بعد أن لم يكن، محدث بعد عدمه، فالعرش الذي هو سـقف المخلوقات إلى ما تحت الثرى، وما بين ذلك مـن جامد، وناطق، الجميع خلقه، وملكه، وعبيده، وتحـت قهره، وقدرته، وتحت تصريفه، ومشيئته. 


وقوله صل الله عليه وسلم : « وكتب في الذكر كل شـيء، وخلق السموات والأرض »


أضيفت الكتابة هنا إلى الله تعالى، ولا يلزم منها أنه سبحانه وتعالى باشر الكتابة بنفسه، بل يجوز أن يأمر بذلك من يشاء.


و « الذكر » هنا هو محل الكتابة، وهو اللوح المحفوظ، والمراد أنه تعالى كتب كل ما أراد إيجاده من تلك الساعة التي جرت فيها الكتابة إلى قيام الساعة.


كما في الحديث (إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر، ما كان، وما هو كائن إلى الأبد ) وفي رواية: (،إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بها هو كائن إلى يوم القيامة).


الحديث الثاني. 


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ).


للوهلة الأولى تظن أن هذا الحديث هو في باب الإيمان بالقدر وليس في باب عظمة الله، ولكن الإيمان بالقدر هو طريق لإدارك عظمة الله سبحانه وتعالى، لهذا لا يتحقق إيمان المرء إلا به.


فكيف الإيمان بالقدر طريق للوقوف مدهوشاً أمام عظمة الله؟


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. 


معنى هذا أن الله كتب كل الأحداث التي سيتعرض لها جميع مخلوقاته من أول العرش حتى أصغر كوارك في التركيب الذري للمادة.


كتابة الله لجميع الأحداث التي سيمر بها جميع مخلوقاته تعني أن الله سبحانه وتعالى عنده علم مسبق بحصول هذه الأحداث وتفاصيلها، وهذه وحدها كافية لتدرك عظمة الله، فما هذا العلم المهول بكل شئ من أكبر المخلوقات حتى اصغر مخلوق؟ بل وأيضاً العلم بجميع الأحداث التي سيمر بها هذا المخلوق، فأي علم مهول يمتلكه الله سبحانه وتعالى؟


إن العالم منا إذا فهم بعض الرياضيات وحفظ بعض الطرق التحليلية سمي عالماً تجريبياً كبيراً.


أو إذا فهم بعض طرق الاستنباط وحفظ بعض الأحاديث سمي فقيهاً عظيماً.


فما بالنا بعلم الله سبحانه الذي يعلم كل شئ عن كل مخلوقاته في طول الزمان وما قبل الزمان وما بعد الزمان؟ فهل يسمى الله عالم؟ لا، بل عليم، صيغة مبالغة لكثرة وغزارة علمه سبحانه، بل إن علمه ليس بكثير فقط، بل الله سبحانه يعلم العلم كله.


فأي جهل نحن فيه أمام عظمة الله سبحانه؟


وبما أن هذه الأحداث التي يعلمها الله تحصل لمخلوقاته نتيجة تفاعلهم مع بعضهم البعض فهذا يعني أن هذه الأحداث بنفسها هي مخلوقة من مخلوقات الله سبحانه.


وهنا نتوقف كثيراً.


الله ليس فقط خالق المخلوقات.

بل هو سبحانه نفسه خالق الأحداث التي تحدث لها.


الله هو خالقك.

خالق تنفسك.

خالق أحزانك.

خالق أفراحك.


الله هو الذي خلق الكون:-

بمجراته العنقودية.

بثقوبه السوداء.

بنجومه المستعرة.

بانفجاراته العظمى.

الله هو خالق كل هذا. 


فإذا نزلنا لكوكب الأرض، فالله هو خالق الطبيعة الغناء، وهو خالق البراكين الثائرة، هو خالق المحيط الهادي بأعماقه المهولة، وأسماكه ووحوشه المخيفة العجيبة، وهو خالق الغابات الواسعة بوحوشها البرية، وشجرها الملتوي.


الله خالق كل هذا. 


فإذا ذهبنا للمجتمعات البشرية فالله هو الذي خلق الديكتاتور، الله هو الذي خلق الثورة، الله هو الذي خلق السجون أعاذنا الله منها، الله هو الذي خلق الحرية رزقنا الله حريتنا. 


الله هو الذي خلق الفنون والأدب، خالق الفراشات الزاهية والورود الندية، والاصوات الشجية والعطور الزكية، هل من خالق غير الله؟ تعالى الله عما يصفون.


انظر الآن لنفسك أمام قدرته على الخلق، ماذا خلقت؟ ماذا تقدر أن تخلق؟ ماذا تفعل في هذه الدنيا؟ تقف عاجزاً لا تملك شيئاً أمام كل هذه العظمة سوى أن تقول:-


سبحانك ربي ما أعظمك.


إذاً الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شئ.


وبما أن الكون هو كون الله ولن يحصل في كون الله ما لم يشاءه الله إذا فالله أعطى مشيئته لكل شئ أن يكون ويحدث.


فلولا أن الله أعطى مشيئته منذ الأزل لقلوبنا أن تنبض، ولدموعنا أن تنزل، ولشفاهنا أن تبتسم.


أعطى مشيئته لمركباتنا أن تسير، ولجراحنا أن تلتئم.


الكل يسير وفق إذنه ومشيئته، فالكون كونه، والمخلوقات مملوكة له.


1- الله عليم بكل شئ.

2- الله خالق كل شئ.

3- الله لا يسير شئ في الكون إلا بإذنه.

4- الله كتب كل شئ.


فهل هناك أعظم من ذلك؟

الله هو الأعظم.


الحديث الثالث. 


( حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، قَالَ : حَدَّثُونِي عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } { أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ } { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ } كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. قَالَ سُفْيَانُ : فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ).


كاد قلبه أن يطير من الآيتين. 

لماذا؟ ماذا فيهما؟ لماذا لا نشعر بنفس الشعور؟ 


عزيزي القارئ ماذا تملك؟ ماذا تقدم؟ ما إنجازاتك؟ 


الله سبحانه وتعالى يملك خزائن السماوات والأرض. 

الله سبحانه وتعالى مسيطر على السماوات والأرض. 

الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض. 


هو مالكك، ومالك أموالك، ومالك بيتك، ومالك أهلك، ومالك أصدقائك، ومالك كل شئ في حياتك.


سبحانه هو المسيطر عليك.

المسيطر على أحداث حياتك.

المسيطر على أهلك.

المسيطر على أولادك.


ثم ... الله هو خالق كل ذلك.

افلا نسجد له منخلعين تمام الانخلاع من تكبرنا أمام عظمته؟ سبحانه وتعالى عما يصفون.

تعليقات

  1. تمت القراءة و ربنا يبارك فيك

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا وهدانا و إيّاك و جميع المسلمين لما يرضيه عنّا من قول و عمل آمين

    ردحذف
  3. شرح كتاب التوحيد للشّيخ بن باز رحمه الله

    https://binbaz.org.sa/audios/2082/74-%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%AD%D9%82-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9%D8%A7-%D9%82%D8%A8%D8%B6%D8%AA%D9%87-%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%87

    ردحذف
  4. جزاك الله خيرا المقال جميل جدا ، نفع الله بك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟