تعلمت من إبليس | أسرار الملعون الأعظم.







أولاً: قصة إبليس في القرآن.


كلنا نعلم قصة إبليس في القرآن.

- نعلم أنه من الجن {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ}.

- ونعلم أن الله خلقه من نار { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين }.

- كما نعلم أنه كان يحيا مع الملائكة ويعبد الله معهم لدرجة أن الله حينما يكلم الملائكة يجمعه بينهم وكأنه واحد منهم:-

{ وإذ قال ربك للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس}.

فرغم أن الأمر للملائكة إلا أمه وجه لإبليس لإنه كان يعتبر واحداً منهم رغم كونه من الجن وذلك لاختلاطه بهم سنين طويلة وعبادته لله سبحانه معهم.

وما حدث أن الله سبحانه وتعالى اختبر إبليس فخلق الله سبحانه أبينا آدم عليه السلام، ثم أمر إبليس بالسجود له سجود احترام وتوقير {وإذ قال ربك للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس}.

فرفض إبليس السجود {فأبى واستكبر وكان من الكافرين} وقال إبليس لله {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}.

فعاقبه الله بالطرد من السماء والطرد من الجنة فقال { فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين}. 

فرد إبليس على الله رداً في غاية الشناعة فقال:-
{ فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين }.

وقال أيضاً في رد أشنع من سابقه:-
{ أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا}. 

إذاً فملخص قصة إبليس في القرآن أن الله ابتلاه بالسجود لسيدنا آدم فأبى واستكبر وقرر الانتقام من آدم وأعلن العداوة والحرب على آدم وذريته إلى يوم القيامة. 

ثانياً: تصرفات إبليس هي الطريق للجنة. 


للوهلة الأولى نظن أن تصرفات إبليس تقود للجحيم لا محالة، ولكن للحق من تأملها سيخرج منها بمجموعة من الدروس الإيمانية العظيمة، وهذه الدروس هي:-

1- حسد إبليس و وقوعه في التكبر. 

لقد طرد الله سبحانه وتعالى إبليس من السماء لأنه أبى واستكبر، فقال الله تعالى:-

{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}. 

تكبر إبليس وحسده لسيدنا آدم عليه السلام جعله من المطرودين من رحمة الله، فاحذر يا أخي أن تقع في هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ).

وحقيقة الكبر كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي بطر الحق ورفضه ودفعه وعدم الانقياد له وغمط الناس باحتقارهم وازدرائهم. 

فإياك إن جائك حق أن ترده. 
أو إن جائك مسلم أن تغمطه. 

عسى الله أن يكتبني وإياك من المتواضعين. 

2- لا رأي لأحد مع وجود النص. 


سأل الله سبحانه إبليس لعنه الله فقال {ما منعك أن تسجد إذ أمرتك}. 

الله أمر فمالك لا تطع؟ 
الله نص على السجود فمالك لا تخضع؟

رد إبليس فقال { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين }

فكانت النتيجة { فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين }.

هذه كانت عقوبة إبليس لأنه عارض شرع الله برأيه.
فاحذر أخي المسلم أن يأتيك شرع الله فتعارضه برأيك فتهوي من السماء وتتخطفك النيران.

3- الخيرية ليست مبرراً لمعارضة الشرع. 


حجة إبليس لمعارضة شرع الله كانت أنه خير من آدم لأنه مخلوق من نار وآدم من طين وفي نظر إبليس فالنار خير من الطين، وبعيداً عن ما هو الخير الطين أم النار إلا أن معارضته شرع الله بهذه الخيرية أدت به للطرد واللعن والإبعاد.

وعلى هذا فلا يجوز للمسلم الغني أو ذو النسب أو أي مسلم يمتلك خيراً ما أن يعارض شرع الله بهذه الخيرية ولو كانت خيرية حقة ليس كخيرية إبليس الباطلة.


ثالثاً: استراتيجيات إبليس.

إبليس هو عدونا الأكبر وبعض الفقهاء يعتبرونه هو العدو الثاني للإنسان بعد عداوة النفس البشرية، وهدف إبليس هو أن يغوي آدم وذريته ليفشلوا في الاختبار الذي خلقهم الله له انتقاماً منا لأننا في نظره كنا سبب خروجه من السماء ولا يحاول أن يفكر في أنه بكبره وعناده هو من أخرج نفسه منها وليس آدم وذريته.

ولكن على كل فهو يرى أنه يجب أن ينتقم منا نحن وقد طور من نفسه ومن أساليبه واستراتيجياته في إضلالنا على مدى ملايين من السنين استطاع فيها دراسة النفس البشرية دراسة عميقة فتعلم التحكم فيها عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات نذكرها الآن.

1- الاستراتيحية الأولى: التزيين.


أ- المقصود بالتزيين.

التزيين هو تحسين العمل الباطل القبيح حتى يراه الإنسان عملاً حسناً جميلاً مقبولاً، فيدفع الشيطان الإنسان بهذا التزيين إلى فعل أمر باطل كان الإنسان متردداً في فعله، أو أن يثبته بهذا التزيين على فعل باطل هو بالفعل يعمله، وقد ذكر الله هذا الأسلوب فقال:-

{ فلولا إذ جائهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}.

ب- التزيين للجماعة المسلمة.

علم إبليس أن التزيين ليس مجرد أن تزين الباطل وإلا فالناس ستفطن لهذا وسينتبهون له مع الوقت، كما أن تزيين الباطل لشخص مؤمن لن يؤدي به إلى الكفر فالباطل مهما تزين سيبقى باطلاً في نظر المؤمن.

فتفطن إبليس إلى أنه يجب أن يتبع مجموعة من الخطوات التمهيدية الصغيرة التي تأخذ بالإنسان إلى الكفر الصريح، وهذه الخطوات هي:-

- تزيين المفضول على الفاضل.
يزين مثلاً للإنسان أن يتصدق على الفقراء بالطعام والشراب والملابس بدلاً من أن يتصدق عليهم بتعليمهم كيفية فتح المشاريع الاقتصادية وإدارة حياتهم، وقد قال الله سبحانه في تزيين الأعمال المفضولة على الفاضلة:-

{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}.

فبالرغم من أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أعمال جليلة، لكن الله جعل الإيمان به والجهاد في سبيله سبحانه أعظم درجة، ولم يعذر قريش باشتغالهم عن الإيمان والجهاد بالسقاية والعمارة.

فإذا نجح إبليس في إشغال العبد بالمفضول عن الفاضل أو بالفاضل عن الأفضل انتقل للتزيين الثاني وهو تزيين المباحات. 


- تزيين المباحات التي لا وزر فيها.

يزين إبليس شهوات الدنيا المباحة التي لا وزر فيها للإنسان فيشغله بها عن طاعة الله سبحانه، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من تزيين الشيطان لشهوات الدنيا المباحة فقال:-

{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والحرث والنسل ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب}. 

وقال أيضاً سبحانه:-
{المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا}. 

ثم حذر الله سبحانه من الوقوع في فخ مباحات الدنيا فقال:-

{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

وقد نظر الإمام الحسن البصري -رحمه الله- إلى بعض أهل زمانه ورأى تكالبهم على الدنيا، وغفلتهم عن الآخرة قال: "أمؤمنون بيوم الحساب هؤلاء؟! كلا، كذبوا ومالك يوم الدين".

فإن نجح إبليس في هذا التزيين بدأ بالتكثيف منه حتى يشغل الإنسان بهذه المباحات عن النوافل، ثم يشغله بها عن الفرائض، فيؤخر الصلاة وقد يجمعها طوال اليوم، وقد يتركها بالكلية ويحاول العودة فلا يستطيع.

فإن نجح إبليس في تزيين المباحات انتقل لتزيين أعلى منه وهو تزيين المعاصي.

- تزيين المعاصي الصغيرة. 
لن يأتيك إبليس ليقول لك ازني، أو اقتل، اسرق، بل لو فعل هذا لنفرت منه، لذلك سيأتيك إبليس بعد أن أشغلك بالمباحات عن الفرائض بصغائر الذنوب والتي هي بعض اللمم مزينها لك بقوله أنها تغفر بفعل الحسنات فأتبع السيئة الحسنة تمحها ولا يهمك.

وفي هذا يقول الإمام ابن القيم:-
"ولا يزال يهون عليه أمرها حتى يصر عليها، فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالا منه؛ فالإصرار على الذنب أقبح منه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار".

وقد حذر الله تعالى من الوقوع في صغائر المعاصي فقال:-

{ وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}. 

يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:-
الإثم: كل ما عصي الله به. 

ويقول الله تعالى أيضاً:-
{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}. 

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسام محذراً من صغائر الذنوب:-

( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجئ بالعود حتى جمعوا من ذلك سواداً وأججوا ناراً فأنضجوا ما فيها). 

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في التحذير من تزيين الشيطان لصغائر الذنوب:-

( إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب، ولكن سيرضى منكم بدون ذلك، بالمحقرات وهي الموبقات يوم القيامة، فاتقوا المظالم ما استطعتم، فإن العبد يجئ بالحسنات يوم القيامة وهو يرى أن ستنجيه، فمازال عبد يقوم يقول: يارب ظلمني عبدك فلان بمظلمة، قال: فيقول: امحوا من حسناته، قال: فيقول: فمازال كذلك حتى لا يبقى معه حسنة من الذنوب، وإن مثل ذلك كسفر نزلوا بفلاة من الأرض ليس معهم حطب، فتفرق القوم ليحتطبوا، فلم يلبثوا أن احتطبوا وانضجوا ما أرادوا قال: وكذلك الذنوب)

فإن نجح إبليس في إيقاع العبد في المعاصي الصغيرة انتقل به لماهو منه أعلى، وهو تزيين الكبائر. 

- تزيين الكبائر. 
إذا وجد الشيطان فيك سهولة زين لك الكبائر وسهلها في عينك، وقد لا يبدأ بالكبائر الظاهرة كالزنا والقتل وإنما يزين لك الكبائر الخفية كالتكبر والعجب والغيبة والنميمة تمهيدا لأخذك إلى الكبائر الظاهرة.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً لنا من الوقوع في الكبائر فقال:-
( اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات").

وقال الله سبحانه محذراً من الوقوع في الكبائر:-
( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون). 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
(تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه).

فاحذر يا أخي واحذري يا أختي من الوقوع في الكبائر بتزيين الشيطان، فإنه إن أوقعكم فيها انتقل بكم إلى التزيين الأخير وهو تزيين البدعة.

- تزيين البدعة.
البدعة هي أخطر ما قد يقع فيه المسلم بعد الكبائر، فالكبائر وإن عظمت سيبقى المسلم عارفاً بأنها ذنوب يجب التوبة منها، أما البدعة فإنها تغلق باب التوبة على المسلم إذ تجعله يظن أنه على حق وأنه على خير فلا يفكر في التوبة فتغلق نفسه بابها على التوبة رغم أن الله فاتحٌ له باب التوبة على مصراعيه.

يقول الله سبحانه وتعالى محذراً من الوقوع في البدع:-

{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا}.

يالها من آية مرعبة، ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً من الوقوع في البدع:-

(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

فالزم أخي منهج القرآن والسنة، والزم نص الحديث ونص الآية ولا تلتفت لتقعيرات المتقعرين من العالمانيين الذين يحاولون تحريف الشريعة وتحريف الدين.

أو من المبتدعة كالصوفية والأشاعرة وغيرهم.

الزم أخي القرآن والسنة وتعرف عليهم وتعلمهم وعض عليهم بالنواجذ فإنهم نحاتك من الدنيا والآخرة، فإن وقعت في البدعة فهنا وفقط هنا تبدأ لعنتك الكبرى، ويبدأ الشيطان يزين لك الكفر والشرك، وقد سدت نفسك عليك باب التوبة ببدعتك، فالبدعة توهمك أنك على حق فلا تتوب من ذنوبك أو بدعتك، وهنا يكون الذهاب للشرك والكفر أيسر من قبل بكثير.

- تزيين الكفر والشرك.
وأنا أكتب الآن هذا الجزء من المقال انتابني شعور بالعجز، ما الذي قد يوصل مؤمناً موحداً لهذه النقطة الخطيرة؟ إنها خطوات الشيطان، هل أكتب لكم آيات تحذير الله من الكفر؟ هل أكتب لكم أن الله لا يغفر أن يشرك به؟ هل أكتب لكم آيات ألوان عذاب الكافرين؟ ماذا أكتب؟ حقاً أشعر بالعجز والحزن كلما تخيلت أن مسلماً قد وصل لهذه اللحظة وهزمه الشيطان شر هزيمة.

كل الدنيا تهون، كل خساراتك لا شئ، كل أحزانك لا شئ، كل أوجاعك لا شئ أمام الوجع الأكبر، والخسارة الأعظم، والحزن الأشد وهو انسلاخ النفس من العبودية لباريها.

اعلموا يا إخوة أن الله سبحانه يقول:-
{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون). 

ألا تكفيك هذه الآية للحذر من الكفر؟ ألا يكفيك أن الله توعد الكافرين باللعن منه سبحانه ومن الملائكة ومن الناس أجمعين؟ ألا يكفيك أن الكافرين لا يخفف عنهم العذاب؟ 

ثم انظر لألوان عذابهم، يقول الله سبحانه:-

{ إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإني يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه}. 

يشوي الوجوه. 
ماء كالمهل. 

ماذا بعد هذا؟ 
هل أكمل في ذكر آيات عذاب الكافرين؟ والله إني أشعر بالخوف وأنا أكتب لكم هذا المقال، أعاذنا الله وإياكم يا إخوة من الكفر. 

ج- الوقاية من التزيين. 

بعد أن علمنا أساليب إبليس في التزيين، يجب أن نعلم كيف نقي أنفسنا من هذا التزيين، وصراحةً قبل أن نلج سوياً في معالجة أساليب التزيين يجب أن أقول لكم شئ عن تجربة خاصة.

كل أساليب إبليس سواء كانت التزيين كما ذكرنا أو التخويف كما سنذكر بعد قليل كلها ان تنفع مع قلب يقظ، ما معنى قلب يقظ؟

أي إنسان ليله ونهاره يراقب الله ويطلب العلم ويمتع جسده بالعبادات، ويمتع عقله بطلب العلم الموصل للآخرة، ويقرأ القرآن يومياً بتدبر.

وأقسم بالله تدبر القرآن فقط وحده وقراءة تفاسيره بخضوع لله سبحانه لهو أشد إيقاظاً للقلب من الماء البارد يصب على الجسد في الليلة الباردة.

فسواء كان تزييناً أو تخويفاً فطلب العلم، وتدبر القرآن ليس فقط مجرد القراءة، والانشغال بالآخرة يقيك كل مكر إبليس، هذا بشكل عام، أما بشكل تفصيلي، فسوف أحدثك عن الطرق التفصيلية التي تقيك مكائد إبليس سواء بالتزيين أو التخويف، ولكن بعد أن أشرح لك أولاً كيف يخوفك إبليس.


2- الاستراتيجية الثانية: التخويف. 

شئنا أم أبينا فنحن البشر جزء من تكويننا أننا نظل ثابتين صامدين للحظة معينة ثم إذا ضعف عزمنا، ووجدنا من هو أقوى منا أصابنا الخوف.

وقد علم إبليس جيداً هذا الأمر فأضاف مع التزيين استراتيجية التخويف، وعمل على تخويف الإنسان من ثلاثة وهي:-

أ- التخويف من الفقر.

يقول الله سبحانه وتعالى في وصف تخويف إبليس لنا بالفقر:-
{ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم }. 

فالشيطان يخوف المؤمنين من الإنفاق في سبيل الله بتخويفهم من الفقر والحاجة والعوز، لذلك يجب على المسلم أن يكون حذراً من هذا الخوف وأن يدرس إدارة الأموال ليعلم كيف يدير أمواله ويوظفها في سبيل الله بدون أن يتأذى بالفقر، كما يتعلم عقيدة القضاء والقدر حتى لا يقع في مثل هذا الخوف.

ب- التخويف بأوليائه.

للشيطان أولياء وأتباع وعبيد كالملحدين والنصارى واليهود والعالمانيين بأنواعهم الليبرالية والشيوعية والرأسمالية والدينية وغيرهم من أنواع العالمانيين.

وقد أرسل الشيطان أحد رسله للصحابة رضوان الله عليهم ليخوفهم من الكفار وذكر الله عز وجل هذا الموقف في القرآن الكريم فقال:-

{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }.

ويقول الله سبحانه أيضاً:-

{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }.

كيف إذاً نقاوم هذا الخوف؟ من امتلأ بخوف الله سبحانه لن يخاف من غيره، وأنا سيكون لي مجموعة من المقالات قريباً عن الخوف من الله وكيف لا نخاف غيره.

ج- التخويف بقوة السلطان الجائر.

لا تقل الحق حتى لا تدخل السجن. 
لا تقل الحق حتى لا يعتقلك السيسي. 
لا تقل الحق حتى لا يعتقلك الأمن الوطني. 

هذه الكلمات قيلت لي كثيراً مذ أن بدأت في الدعوة إلى الله، وصدقاً أحياناً كانت تخيفني ولكني كنت أتدارك نفسي بعدها وأعود للدعوة.

وأكبر ما يعين على عدم الخوف من السلطان هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك).

فلا تخشى السلطان في كلمة حق إطلاقاً، منذ يومين نشرت منشوراً على منتدى اليوتيوب عندي هذا هو نصه:-




فكانت إحدى التعليقات تقول:-



هذا التعليق يوحي لقارئه بأن توضيح بديهيات العقيدة هو مجلبة للسجن وظلم السلطان، وقد يكون هذا حقيقي فعلاً كما حدث مع شيخنا أحمد سبيع وأستاذنا أيمن عبد الرحيم وشيخنا أنس السلطان وشيخنا إبراهيم السكران، وشيخنا خالد الراشد وغيرهم من الدعاة الذين لم يفعلوا أي جرم في حياتهم سوى أنهم قالوا مبادئ العقيدة الإسلامية.

ولكن إياك ثم إياك ثم إياك أن تجعل هذا يخوفك، فإنم لا يقدرون أن يضروك إلا بما كتبه الله عليك، والله لن يكتب عليك شئ سوى إن كان لك به في الآخرة آجر عظيم، وإنما هي أيام قلائل وعند الله نجتمع، فلا تخشاهم واخشى الله الذي إليه نحن راجعون.

3- الاستراتيجية الثالثة: الإيحاء بالأماني الكاذبة.

يأتي الشيطان ويمني أوليائه بالأماني الكاذبة كأن يقول لهم أنهم هم المنتصرون والفائزون بالدنيا، أو يعدهم بالغنى والمال إن عصوا الله، أو بمنيهم بالشفاء والصحة إن وقعوا في الشرك كأن يبحثوا عن الشفاء عند ساحر من السحرة، وقد قال الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر:-

{يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}.

فاحذر أخي الكريم وأختي الكريمة أن يمنيكم الشيطان وأن يغويكم وأن يوقعكم في مكائده. 

رابعاً: وسائل الوقاية من الشيطان.


قبل أن نتكلم بشكل تفصيلي عن وسائل الوقاية العامة من إبليس أريد أن أقول لكم أن كلها مجمعة نستطيع أن نجملها في نقطة واحدة وهي (مراقبة الله في كل وقت وحين) أي أن يكون قلبك يقظا متنبهاً وازناً كل شئ بميزان الشرع والحق والعدل.

فإن غفل قلبك بشهوة أو نسيان أو حتى بانشغال بغير الله دخل لك الشيطان، لذلك احذر أخي الكريم أن تقع في الغفلة، كن يقظاً متنبهاً فطناً.

كما يجب أن تعلم أن الحرب بيننا وبين إبليس قائمة حتى قيام الساعة، فعليك بالنصر فيها، وعليك بالتفوق فيها، وعليك بالعلو فيها، وإن نال إبليس منك معركة فنل منه أمامها عشرة معارك، واعلم أن الانتصار في هذه الحرب يكون بدخول الجنة، ونصر إبليس يكون بدخولك النار، فاسعى جهدك لنيل الفردوس الأعلى لتنتصر في هذه الحرب.

والآن لنبدأ بالوسائل العامة لصد إبليس والتغلب عليه.

الوسيلة الأولى: الإيمان بالله والتوكل عليه.

يقول الله سبحانه عن إبليس:-

{ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون }.

فتخيل معي يا أخي شخصٌ مؤمن بالآخرة مستحضراً الجنة والنار، فالنار تخوفه، والجنة تطمعه، فهل يكون لإبليس عليه قدرة أن يزين له شئ؟ 

طيب تخيل عبد يؤمن بالقضاء والقدر ويؤمن بالآخرة هل يستطيع إبليس أن يخوفه بأوليائه أو بالسلطان الجائر؟ 

طيب تخيل عبداً يؤمن بربوبية الله وأن الله مالك الدنيا ومالك من فيها من جنود وناس، هل يستطيع أن يخوفه الشيطان؟

بالطبع لا. 

طيب تخيل أن تجمع بين الإيمان بالله والتوكل عليه فتأخذ بأسباب الثبات، وأسباب الأمان، داعياً الله أن يحميك ويثبتك راضياً بأقداره ونتائج أخذك بالأسباب التي هو سيقدرها.

هل للشيطان عليك سلطان؟
لن يكون.

لذلك أخي عليك بالإيمان بالله سبحانه وبالتوكل عليه.

الوسيلة الثانية: ترك المعاصي.

يقول الله سبحانه:-

{ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا }.

استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا. 
أي أنهم بسبب ما اكتسبوه من ذنوبهم استطاع الشيطان أن يستزلهم. 
وعلى هذا فالذنوب والمعاصي هي من أسباب تسلط الشيطان. 

وهذا لأن الذنوب تضعف القلب والعقل وتوهنه، ولهذا اترك المعاصي والذنوب، وستجد الشيطان عاجزاً أمامك.


الوسيلة الثالثة: الزهد في الدنيا.

يقول الله سبحانه وتعالى:-

{ وما يعدهم الشيطان إلا غرورا }.

أي أن الشيطان يعد الإنسان بالغرور، فإذا نظرنا لوصف الدنيا في القرآن وجدنا الله سبحانه وتعالى يقول:-

{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }.

إذاً فالدنيا متاع الغرور واللعب واللهو والزينة والتفاخر، والشيطان يعدنا الغرور، لذلك ستكون الدنيا من ضمن مداخل الشيطان إليك. 

ولهذا فاقطع عليه هذا الطريق من بدايته بأن تزهد في الدنيا، في شهواتها، وغرورها، وكبرها، ونصرها ومعاركها اللهم إلا معركة أمر بها الشرع أو حث عليها.

الوسيلة الرابعة: الاستعاذة بالله.

يقول الله سبحانه:-

{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}. 

ويقول الله أيضاً:-

{ وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون}. 

أعتقد لا يوجد تعليق على الآيات، فهي واضحةً في أنه على المسلم أن يكون كثير الاستعاذة بالله من إبليس. 

الوسيلة الخامسة: الكلمة الطيبة والدفع بالتي هي أحسن.

يقول الله سبحانه:-

{ قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان مان للإنسان عدواً مبينا }.

الكلمة الطيبة والظهور بمظهر العافي عن الناس يجعل الألفة في قلوب الخلق لبعضهم البعض فإن تآلفوا صار الشيطان واقفاً عاجزاً عن أن يغويهم إلى أن تخطو العداوة والتفرقة إلى المسلمين خطواتها.

الوسيلة السادسة: وزن الخواطر التي تهب على القلب بميزان الإسلام.

يقول الله سبحانه:-

{قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس}.

وصف الله سبحانه الشيطان بأنه وسواس في صدور الناس، وعلى هذا فالخواطر التي تهب على القلب نوعان، نوع ينبع من تفكيرك في أمور دينك ودنياك، ونوع يأتيك من الشيطان، فكل خاطرة تخطر على قلبك زنها بميزان الشرع، فإن قبلها الشرع كان بها، وإن لم يقبلها اخسأها وإن كان فيها نجاتك من القتل.

خاتمة.

وأخيراً .. لقد تعبت كثيراً في هذا المقال، وادعوكم إلى الاشتراك في قناتنا على التليجرام من هنا والاشتراك في قناتنا على اليوتيوب من هنا، والإعجاب بصفحتنا على الفيسبوك من هنا، ومتابعتي على الأنستامن هنا، ومن أحب دعم محتوانا فيمكنه دعمنا على باتريون من هنا، أو بايبال من هنا.

وداعاً 😉 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟