الرد على خالد الجندي في ادعاءه أن ربا الفضل حلال ولا ربا إلا ربا النسيئة
أولاً: رسالة مهمة من وحي القرآن لخالد الجندي بعد تحليله ربا الفضل.
لقد شعرت بصدمة كبيرة في خالد الجندي بعد أن شاهدت مقطعاً مصوراً له وهو يحلل ربا الفضل ويحصر الربا في ربا النسيئة فقط.
سبب صدمتي لم يكن مجرد أن خالد الجندي أحل ما حرم الله سبحانه وتعالى فقط لا، بل لأن حرمة ربا الفضل هي ما يتم تدريسه لأطفال المرحلة الابتدائية في منهج الفقه الميسر، كما أن حرمة ربا الفضل أجمع عليها علماء الإسلام قاطبةً.
وخالد الجندي يعلم هذا.
إنه مدرك لإجماع العلماء.
إنه مدرك لكون حرمة ربا الفضل حرمة قطعية.
وبالرغم من هذا باع دينه من أجل إرضاء من يشغلونه.
باع دينه لأجل إرضاء من يتبعهم من السادة والكبراء.
وهنا أحب أن أرسل رسالة تذكير لخالد الجندي بهذه الآيات التي تحدثت عنه وعن علماء السوء الذين يحرفون الدين لأجل إرضاء من يتبعونهم، اقرأوا هذه الآيات فإنها كأنها تتكلم عن شخص خالد الجندي بنفسه، يقول الله تبارك وتعالى:-
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ }.
تذكر الآيات فئة من الناس تتخذ من دون الله أنداداً كما اتخذ خالد الجندي من سادته وكبرائه الذين يشغلونه ويأمرونه من جهاز السامسونغ أنداداً، وليسوا أنداداً بمعنى أنه عبدهم وإنما أمروه بمعصية الله فأطاعهم، ثم أمروه بتحليل ما حرم الله فأطاعهم، فاتخذهم له أنداداً.
يقول الإمام السعدي في تفسير هذه الآية كأنما يصف حال خالد الجندي:-
(ذكر هنا أن ( من النّاس ) مع هذا البيان التام من يتخذ من المخلوقين أندادا لله أي : نظراء ومثلاء , يساويهم في الله بالعبادة والمحبة , والتعظيم والطاعة . ومن كان بهذه الحالة ـ بعد إقامة الحجة , وبيان التوحيد ـ علم أنه معاند لله , مشاق له , أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته , فليس له أدنى عذر في ذلك , بل قد حقت عليه كلمة العذاب).
وهذه الآية أرجو أن تكون واعظاً لخالد الجندي وتذكيره بأن القوة بيد الله سبحانه وحده، والعزة لله سبحانه وحده، وليست لأولئك الذين يشغلونه وأمروه أن يخرج علينا بمقالته هذه، فلا تخشاهم واخشى الله شديد العقاب، فهم إن عاقبوك بحرمانك من المال أو الظهور في الإعلام فوالله صبرك على عقوباتهم تنال عليه الأجر العظيم من الله سبحانه، وإن كان هذا هو مبلغ عقابهم فإن الله شديد العقاب، فإن أغضبت الله برضاهم فأنت أعلم مني بآيات العذاب وصفة جهنم.
أما لأولئك الذين يتبعهم خالد الجندي فيكمل الله سبحانه وتعالى في نفس الآيات فيقول:-
{إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ (166) وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ}.
سيتبرؤون منك.
ستتقطع الصلات التي بينكم.
ومن هول الموقف سينادي الأتباع لو أن الله يعطيهم فرصة ليتبرؤوا من متبوعيهم، ولكن يرد الله سبحانه وتعالى بأن يريهم أعمالهم التي عملوها في الدنيا كيف هي سبب حسرتهم وليست حسرةً واحدة بل حسرات، ولن يخرجوا من النار.
يقول الإمام السعدي في تفسير هذه الآية:-
( وتبرأ المتبوعون من التابعين , وتقطعت بينهم الوصل , التي كانت في الدنيا , لأنها كانت لغير الله , وعلى غير أمر الله , ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له , فاضمحلت أعمالهم , وتلاشت أحوالهم ، وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين , وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها , انقلبت عليهم حسرة وندامة , وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا ، فهل بعد هذا الخسران خسران ؟).
فهل بعد هذا الخسران خسران؟
فوالله يا له من رعب لكل تابع لباطل.
فلا تتبع يا خالد أولئك الذين أمروك بتحليل ما حرم الله.
لن ينفعوك يوم القيامة، وسيتبرأون منك، وستكون طاعتك لأوامرهم حسرات عليك يوم القيامة.
وبعدها بآية يكمل الله سبحانه وتعالى كلامه قائلاً:-
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }.
يا عباد الله كلوا من الحلال والطيب، لا من الربا والخبيث، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، الذي سيأخذكم خطوة بخطوة نحو الكفر بالله، ويبدو أنه قد نجح نسبياً مع الجندي، فماذا يعني تحليل ما حرم الله سوى أن الشيطان أخذ خالد الجندي لدرجات عظمى من الضياع؟ فيحذرنا الله سبحانه من أن نتبع خطوات الشيطان فإنها وإن بدت في البداية خطوات صغيرة إلا أنها ستودي بك في النهاية إلى محاربة الله وشرعه، كما فعل خالد الجندي.
فالشيطان يأمرنا بالسوء والفحشاء، وتحليل ما حرم الله سبحانه كما فعل الجندي وفعله من كبائر الفحشاء، ويأمرنا الشيطان أن نقول على الله ما لا نعلم، كما قال خالد الجندي تلك المقالة الشنيعة على الله بأنه سبحانه يسمح بالربا.
وأختم رسالتي لخالد الجندي بقوله سبحانه:-
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ (175) ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ}.
كأنها والله تصفك يا خالد، لقد كتمت ما أنزل الله من الكتاب، واشتريت به ثمناً قليلاً، وما هذا الثمن في بطنك إلا ناراً، وإن أصررت على تحليل ما حرم الله ولم تتب فإن الله يقول في الآية على علماء السوء أنه سبحانه لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
فما أصبرك على النار؟
ثانياً: مبادئ أحكام الربا في الإسلام.
الربا في اللغة: الزيادة.
وفي الشرع: زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض.
حكمه: التحريم.
الدليل على حرمته:-
1- {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
2- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
3- {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ }.
أنواع الربا في الإسلام وحكمها.
أولاً: ربا الفضل.
تعريف ربا الفضل هو:-
الزيادة في أحد البدلين الربويين المتفقين جنساً.
ركز معي سأوضح لك التعريف بشئ من التفصيل، التعريف يبدأ بالقول أن ربا الفضل هو:-
(الزيادة في أحد البدلين).
ما معنى كلمة (بدلين)؟
معناها الشيئين اللذين يتم تبادلهما بين الشخصين المرابين.
باقي التعريف هو:-
(الزيادة في أحد البدلين الربويين).
ما معنى ربويين؟
أي الزيادة في أحد الشيئين اللذين يتم تبادلهما بشرط أن يكونا هذين الشيئين هي أشياء ربوية، ما معنى أشياء ربوية؟ أي بدلين نص رسول الله عليها بأنها ربوية، فهي اسمها ربوية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ربوية، فقال صلى الله عليه وسلم:-
( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح، مِثلاً بمِثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء).
فالذهب والفضة والبُر والشعير والتمر والملح عند تبادلها يداً بيد، أي والمتبادلين واقفين مع بعضهما في نفس لحظة التبادل، يجب أن تكون مِثلاً بمثل، أي إن أخذت جرام ذهب، فترجعه جرام ذهب، لا جرامين، فإن الزيادة هذه هي الربا، الآخذ والمعطي الاثنين مرابين.
إذاً فربا الفضل بنص حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام.
كما أن من الأدلة على حرمته هو قول الله عز وجل:-
{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
فالله سبحانه حرم الربا، وكلمة الربا في هذه الآية الكريمة عامة لم تخصص، وعلى هذا فكل مال أو تبادل صدق عليه اسم ربا فهو محرم، وربا الفضل اسمه ربا، وعلى هذا فهو حرام.
ثانياً: ربا النسيئة.
وهو الزيادة في أحد العوضين مقابل تأخير الدفع وهذا هو الذي تتعامل به بنوك عصرنا.
وهذا أيضاً حرام بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:-
{ما كان نسيئة فهو ربا}.
ثالثاً: شبهات خالد الجندي حول تحريم الربا والرد عليها.
بعد أن علمت الربا، والأدلة على حرمته، فلتنظر الآن لشبهات خالد الجندي عن تحريم الربا، وستصدم حقاً عندما تعلم أن هذه الشبهات تم الرد عليها من ألف عام 🙂
الشبهة الأولى: يهدف خالد الجندي من كلامه عن الربا إلى أن يحلل ربا البنوك، فقال أن ربا الفضل حلال وربا النسيئة هو الحرام.
والرد بكل بساطة هو:-
سنسلم لك جدلاً يا جندي بأن ربا الفضل حلال، راضٍ الآن؟ صدق أو لا تصدق يا جندي فإن البنوك لا تتعامل بربا الفضل أصلاً بل كل تعاملاتها بربا النسيئة، فهي عندما تقرض شخصاً ويتأخر عنها في السداد فإنها تطبق عليه زيادة لتأخره، وهذا هو ربا النسيئة.
فلو سلمنا جدلاً بأن ربا الفضل حلال، فأصلاً البنوك تتعامل بربا النسيئة لا ربا الفضل، وأنت بنفسك شددت على حرمة ربا النسيئة، وبهذا تثبت حرمة فوائد البنوك، أحسنت، غباءك يفيدني قليلا.
الشبهة الثانية: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ربا إلا في النسيئة)، وعلى هذا فربا الفضل حلال.
الرد:-
هذا الحديث منسوخ بدلالة قول سيدنا البراء بن عازب الصحابي الجليل بنفسه، فقد جاء في كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار":-
حدثنا بشر بن موسى ، ثنا الحميدي ، ثنا سفيان ، ثنا عمرو بن دينار ، أنه مع أبي المنهال يقول : باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل ، فقلت : ما أرى هذا يصلح ، قال : لقد بعتها في السوق فما عاب ذلك علي أحد ، فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وتجارتنا هكذا ، فقال : " ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئا فلا خير فيه " وأتيت زيد بن أرقم ، فإنه أعظم تجارة مني فأتيته ، فذكرت ذلك له فقال : صدق البراء، قال الحميدي: فيصبح حديث (لا ربا إلا في النسيئة) منسوخ.
فأول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في بداية الدعوة كان العرب وقتها هذه عادتهم فأقرهم عليها في بادئ الأمر كما قال سيدنا البراء بن عازب، ثم لما ثبت الإسلام في القلوب قال صلى الله عليه وسلم ناسخاً الحكم الأول:-
( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح، مِثلاً بمِثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء).
الشبهة الثانية: لقد تعامل الصحابي عبد الله بن عباس بربا الفضل وهذا دليل على حله.
الرد:-
لقد أخطأ الصحابي عبدالله بن عباس وعاب عليه الصحابة كما ورد في صحيح مسلم أن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:-
(اتق الله يا ابن عباس ! أيأكل الناس الربا بقولك؟ فقال: أستغفر الله، فقال له: هل وجدت ذلك في كتاب الله؟ أو شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فقال له ابن عباس : أما كتاب الله فلا)، أي: لم يجد في كتاب الله هذا الذي يقول به من الفتوى، قال.
الشبهة الثالثة والأخيرة: هناك عدد لا بأس به من الصحابة تعامل بربا الفضل، وهذا دليل على حله.
الرد:-
فعلاً؟ يعني لا تسير معك أنه من الطبيعي أنهم يتعاملون بربا الفضل في فترة حله وما إن نسخ الحل وتم تحريمه توقفوا؟
خاتمة.
إلى متى سيظل الجندي يحرف دين الله لإرضاء أسياده؟
بارك الله فيك ونفع بك
ردحذف