العقل في الإسلام والعقل في الإلحاد ونظرة الملحدين للعقل


 أولاً: العقل والإسلام

العقل والإسلام، لا يوجد دين رفع من أهمية العقل وعملية التعقل مثل الإسلام، فالإسلام هو الدين الوحيد في الكوكب الذي جعل العقل هو مناط التكليف، فلا يوجد عبادة واحدة في الإسلام إلا والشرط الثاني للقيام بها هو وجود العقل لدى الشخص الراغب في التعبد، فلا عبادة في الإسلام بدون عقل.


وقد رفع الإسلام من شأن العقل فجعله سبباً في التقرب إلى الله عز وجل، ومجرد كونك عاقلاً هذا يعطي لك الأولوية في التقدم في العبادات والقرب من الله عز وجل، فنجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة:-


(ليلني منكم أولو الأحلام والنهى). 


فقط أولوا العقول هم الذين من حقهم أن يكونوا في الصف الأول وقرباً من الله عز وجل، وكيف لا وهو سبحانه الذي أثنى على العقلاء في مواضع شتى في القرآن الكريم فقال. 


{إنما يتذكر أولوا الألباب}. 

{أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}.

{ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}. 

{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها}. 


وغيرها الكثير الكثير من الآيات التي لا يتسع المقام لذكرها في مدح العقل والعقلاء والدعوى للتعقل، فالإسلام يحث على العقل، ويحترم العقلاء، ويأمر بالاقتداء بهم والتعلم منهم. 


هذه هي نظرة الإسلام للعقل. 

فماذا عن الإلحاد؟ 

لنستمتع... 


ثانياً: العقل والإلحاد.


إذا أردنا أن نتحدث عن العقل في الإلحاد فإننا سوف نتحدث عن العقل على مستويين، كل مستوى منهم أدنى من أخيه المستوى الآخر، وهذين المستويين هما:-


- بهيمية العقل في الإلحاد.

- مادية العقل في الإلحاد.


أ- بهيمية العقل في الإلحاد. 

عزيزي القارئ، هل أنت ملحد؟ حسناً أحب أن أهنئك، أنت حيوان، لا أنا لا أسبك انتظر سأشرح لك، الإلحاد يعتبر عقلك مجرد كائن بهيمي تطور في سبيل البقاء لا أكثر. 


وهنا ستسألني وأين المشكلة؟ 


طيب دعني أوضح لك... 


الإلحاد بصفته دين كأي دين يقدم لمعتنقه قصة بدء وجود المخلوقات، وكانت القصة التي يقدمها الإلحاد ليفسر وجود الكائنات الحية هي قصة التطور الدارويني، فيقول لك الإلحاد أنه في البدء كانت الخلية الحية، التي تطورت إلى أن أنتجت بكتيريا، ثم تطورت لتنتج كائنات مجهرية بحرية، والتي تطورت لتكون أسماكاً، وقد وجدت الأسماك نفسها تشعر بالملل في الماء فقررت الخروج منه، فتطورت وصارت ضفدع، والذي تطور وصار فأراً ثم نمساً ثم كائن شبيه بالقرود والذي تفرع منه الإنسان والقرود.


أي أن عقلك في الأصل تطور من كائنات أدنى من القرود، والتي هي السلف المشترك، وهنا تأتي الكارثة الأولى والتي هي "كيف ستثق بعقلك وهو في الأصل عقل قرد بل أدنى؟!" هذا بغض النظر عن الضحك في قصة التطور هذه التي يقدمها لنا كهنة الإلحاد. 


وهذا الذي دفع داروين نفسه للجنون فأرسل رسالة لصديقه يقول له فيها:-


( عندي شك دائم في أن تكون قناعات عقل الإنسان والذي تطور من كائنات أدنى أي قيمة أو تستحق للتصديق أصلاً، هل بإمكان أي منا أن يصدق قناعات عقل قرد؟!!).


يسليني داروين حقاً بمقولاته هذه واعترافاته الكثيرة، إن الرجل يعاني مع إلزامات نظريته، كيف لنا أن نصدق عقلاً تطور من كائنات أقل ما يقال عنها أنها بهيمة؟!! بل إن الإنسان بتركيبه البيولوجي لا يعدو كونه مجرد بهيمة من هذه البهائم. 


ثم هناك كارثة أخرى والتي هي كيف لنا أن نثق بعقول تطورت لتبحث عن الطعام والشراب لا لتبحث عن الحقيقة؟!


دعوني أشرح لكم.


إلحادياً فقد تطورت الكائنات الحية تبعاً للظروف التي فيها، سواءً كانت ظروفاً مناخية، أو ظروفاً معيشية كطبيعة كالصيد وغيره، وقد تطورت أجسادنا وعقولنا فقط لتستطيع أن تتكيف مع هذه الظروف، فمثلاً من وجهة نظر تطورية نحن لا نملك أنياب لأننا نستطيع أن نطهو الطعام ونجعله طرياً وبهذا لا نحتاج للأنياب، وهذا بعكس الدين والفطرة اللذان ينصان على أن الإنسان ليس كالحيوان، وأن قوته ليست في أنيابه وإنما في عقله وتحكمه في غضبه، ففي الوقت الذي يكرم فيه الدين الإنسان إلا أن الإلحاد يقول لك أن الإنسان لا يحتاج للأنياب فقط لأنه يستطيع أن يطهو الطعام.


فكذلك العقل، نحن نملك عقلاً لا لأننا أذكياء وعباقرة، فهذه معاني ميتافيزيقية لا يعترف الإلحاد بوجودها، نحن فقط لدينا عقولاً لأن الظروف التي كنا فيها كانت تحتاج إلى مهارة أعلى في الصيد، فظلت أدمغتنا تجمع الخبرات من الصيد حتى صرنا بهذه العقول لكي نستطيع أن نصطاد الفرائس ونهرب من المفترسات.


وهنا تكمن الكارثة.


فكيف تثق بعقلك وهو مجرد آلة تطورت فقط لتبحث عن الطعام والشراب لا لتبحث عن الحقيقة والمعنى والقيمة؟!!!


هذه المشكلة كانت جحيماً على الملاحدة، لدرجة دفعت أحد أشرس الملاحدة وهو البيولوجي الملحد الحائز على نوبل "فرنسيس كريك" الذي رغم شدة كرهه للأديان وحماسته في الانتصار لإلحاده إلا أنه رغم كل هذا لم يمتلك إلا أن يعترف بأن الإلحاد عبارة عن مذبحة للعقل فقال:-


( أدمغتنا المتطورة هي في ختام الأمر لم تتطور تحت ضغط الحاجة إلى كشف الحقائق العلمية، وإنما هي فقط تطورت لتمكيننا من أن نكون على درجة من الذكاء تكفي لكي نبقى على قيد الحياة).


يالها من عبارةً يا صديقي، لولا أنني أريد أن أحافظ على النمط العلمي لهذا المقال لكنت بدأت بالتعبير بلهجتي المصرية على هذه العبارة المميزة ولكني سألتزم بعلمية المقال.


إن الرجل واضح في أن التسليم للإلحاد معناه بكل بساطة عقل بهيمة، مهما كنت بالغ الذكاء، ومهما كنت عبقرياً، في النهاية أنت مجرد قرد لديك فقط بعض الجينات المختلفة مع أبناء عمومتك من الشمبانزي، لكن في التركيب البيولوجي والعقلي والعصبي أنت والشمبانزي سواء، وتتضايقون لأنني أصفكم في قناتي بالبكتيريا، تباً لكم. 



ب- مادية العقل في الإلحاد. 

عزيزي القارئ، هل أنت ملحد؟ أتحب أن أهنئك مرة ثانية كما هنأتك في الجزء الأعلى من المقال؟ لا أعرف حقاً لماذا تتضايق، أليس هذا هو إلحادك؟ ما شأني أنا؟!!! 


طيب في هذا الجزء لن أجرح مشاعرك، سأتكلم بلغة دبلوماسية قدر ما أستطيع، بلا صياح.


في الإلحاد أنت مجرد حفنة رخيصة مهينة من الأتربة لا فرق بينك وبينها أو بينك وبين أي جماد في الكوكب.


لا أعرف حقاً لماذا تتضايق كلما قلت لك العقائد التي يقدمها لك الإلحاد، ألم ترتضي لنفسك الإلحاد دينا؟! هذه عقائده فتوقف عن الصياح وتجهم الوجه.


وأجل الإلحاد يعتبرك مجرد حفنة رخيصة من التراب، لماذا؟ لأن الإلحاد لا يعترف بوجود شئ ميتافيزيقي، أي غير مادي، الكوكب والكون والوجود كل شئ مجرد مادة في مادة، لا روح، لا قيم ميتافيزيقية كالخير والشر والعدل والظلم والربح والخسارة، فقط مادية عمياء غير مباشرة، وهذا هو بالضبط الذي قاله ريتشارد دوكينز في كتابه "نهر خارج عدن" فقال:-


( الكون في حقيقته بلا تصميم، بلا غاية، بلا خير، بلا شر، لا شئ سوى قسوة عمياء لا مبالية). 


لا شئ يا صديقي سوى قسوة عمياء لا مبالية، مجرد ذرات في ذرات، وعقلك يتكون من هذه الذرات، لا غاية، لا خير، لا شر، لا معنى، مجرد ذرات لا تختلف عن ذرات التراب تجمعت مع بعضها البعض في شكل معين عن طريق الصدفة، وبدأت في العمل، هكذا. 


وهذه الكارثة دفعت سي إس لويس إلى أن يقول:-


( لنفترض أنها مجرد ذرات داخل جمجمتي تعطي ناتج ثانوي يسمى فكر، إذا كان الأمر كذلك فكيف أثق في أن تفكيري صحيح؟!!! إن الأمر أشبه بإبريق الحليب الذي عندما تخضه تأمل في أن يعطيك خريطةً للندن، إذا لم أستطع أن أثق بتفكيري، فلن أستطيع أن أثق في الحجج التي تقودني للإلحاد، وبالتالي لا معنى لأن أكون ملحداً أو أي شئ آخر، السبيل الوحيد للثقة في تفكيري هو في أن أثق أنه ليس مجرد ذرات وأن هناك إله خلقه، وبالتالي فلا يمكن أن أستخدم تفكيري إلا في الإيمان بالله).


إن سي إس لويس يقول ذهب يا صديقي ذهب، كيف ستثق بعقلك أو بالأحرى مخك وهو مجرد ذرات؟ لن تعرف أبداً كيف تتصرف، ولا كيف تنطبع بالأشياء، وبالتالي تنهار حياتك، وتصبح محض قرد أمريكي أو أوروبي لا تختلف قيمتك عن حفنة الطين التي أدوسها كل يوم بحذائي، وفي النهاية تتضايق لأنني أصفك في قناتي بالبكتيريا، تباً لك انظر للإلحاد ماذا يقول عنك، أنت من رضيت بكون قرداً أقل من البكتيريا والتراب ماذا أفعل أنا لك.


بهذا يكون انتهى المقال، أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم، وبالطبع أتمنى أن تكونوا استفدتم، إذا أردتم المشاركة في صناعة محتوى موقعنا وقناتنا على اليوتيوب يمكنكم دعمنا على Patreon و PayPal.


المصادر. 

The Weight of Glory and Other Addresses
River out of eden

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدليل الأخلاقي على وجود الله | سلسلة الأدلة على وجود الله

الثوابت الكونية و وجود الله

من هم أهل السنة والجماعة؟